التقدم السعودي في مجال البيانات المفتوحة لعام 2024

موقع أيام نيوز

التقدم السعودي في مجال البيانات المفتوحة لعام 2024: نقلة نوعية نحو الاقتصاد الرقمي والشفافية

شهدت المملكة العربية السعودية في عام 2024 تقدمًا ملحوظًا في مجال البيانات المفتوحة، ضمن جهودها الرامية إلى تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، وتعزيز التحول الرقمي، والشفافية، وتمكين الابتكار. هذا التطور لم يكن مجرد تحسين في تصنيف أو ترتيب عالمي، بل يمثل تحولًا نوعيًا في الثقافة الإدارية، وطريقة تعامل الدولة مع المعلومات والحوكمة.

ماذا تعني البيانات المفتوحة؟

يشير مفهوم البيانات المفتوحة إلى المعلومات التي تُنشر بشكل شفاف ومتاح للجميع، بحيث يمكن الوصول إليها، إعادة استخدامها، مشاركتها أو تحليلها من دون قيود قانونية أو تقنية معقدة. وتشمل هذه البيانات مختلف المجالات: الاقتصاد، التعليم، الصحة، البيئة، الخدمات الحكومية وغيرها. وهي تلعب دورًا أساسيًا في دعم صناعة القرار، وتمكين القطاع الخاص، وتحفيز الابتكار، وتحقيق الرقابة المجتمعية.

تصنيف المملكة في 2024: قفزة عالمية

في عام 2024، حققت المملكة قفزة نوعية في المؤشرات الدولية، حيث صعدت إلى مراكز متقدمة في مؤشر البيانات المفتوحة العالمي، متجاوزة العديد من الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يعكس جدية الحكومة السعودية في الاستثمار في هذا المجال.

ووفقًا للبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية، فإن السعودية دخلت ضمن أفضل 20 دولة عالميًا في البيانات المفتوحة، بعد أن كانت في مرتبة أقل من ذلك بكثير قبل أقل من خمس سنوات. هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة جهود مؤسسية متراكمة، وسياسات تنظيمية دقيقة، واستثمارات في البنية الرقمية والكوادر البشرية.

الجهات الداعمة والمبادرات الرئيسية

برزت عدة كيانات حكومية في قيادة ملف البيانات المفتوحة، أبرزها:

الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، التي تولت الإشراف العام على الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وأطلقت بوابات رقمية متقدمة لتجميع ونشر البيانات.

منصة البيانات المفتوحة السعودية، التي أصبحت واحدة من أكبر المستودعات الحكومية للبيانات في المنطقة، تضم آلاف المجموعات من البيانات الصادرة عن عشرات الجهات الرسمية.

مبادرة "افتح بياناتك"، التي استهدفت تدريب وتمكين الجهات الحكومية على تحرير ونشر بياناتها بشكل يتوافق مع المعايير العالمية.

شراكات مع القطاع الأكاديمي والخاص، لتعزيز الابتكار من خلال استخدام البيانات المفتوحة في الحلول التقنية والتجارية.

التأثيرات الفعلية على الاقتصاد والمجتمع

التحول السعودي في مجال البيانات المفتوحة لم يكن مجرد تحول إداري، بل كانت له آثار مباشرة على الاقتصاد والمجتمع، نذكر منها:

تمكين الشركات الناشئة: أصبحت البيانات الحكومية متاحة لرياديي الأعمال، مما سمح لهم بتطوير حلول تستند إلى معلومات واقعية، خاصة في مجالات مثل النقل، الصحة، السياحة، العقار، والتعليم.

تحسين مستوى الخدمات العامة: عبر تحليل البيانات المفتوحة، استطاعت الجهات الحكومية تحسين آليات تقديم الخدمة، وتحديد الفجوات، والاستجابة لاحتياجات المواطنين بشكل أكثر دقة.

رفع الشفافية والمساءلة: أصبح للمواطنين والباحثين قدرة أكبر على الاطلاع على المؤشرات الحكومية والمالية والخدمية، مما عزز من مستوى الرقابة المجتمعية والمساءلة.

دعم البحث العلمي: أتاحت البيانات المفتوحة الفرصة للجامعات والمراكز البحثية لتحليل الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أعمق، مما أنتج دراسات ذات قيمة مضافة لصناعة القرار.

التحديات التي واجهت السعودية

ورغم هذا التقدم، لم يكن الطريق سهلاً. فقد واجهت المملكة العربية السعودية عدة تحديات رئيسية، منها:

ثقافة السرية الإدارية التي كانت سائدة في بعض القطاعات، ما تطلب تغييرًا جذريًا في التفكير والنظم الداخلية.

قلة الخبرات الفنية في بدايات المشروع، وهو ما استدعى استثمارًا كبيرًا في التدريب وبناء القدرات البشرية.

توحيد المعايير بين مختلف الجهات الحكومية، إذ تطلب الأمر تطوير إطار موحد لنشر البيانات، والتأكد من جودتها وموثوقيتها.

حماية الخصوصية: كان من المهم التفريق بين ما يُمكن نشره وما يُعد من البيانات الحساسة، لضمان التوازن بين الشفافية والأمن المعلوماتي.

لماذا هذا التحول مهم استراتيجيًا؟

يتجاوز التقدم في البيانات المفتوحة كونه إنجازًا تقنيًا أو إداريًا؛ فهو مؤشر على نضج النظام الإداري والاقتصادي في المملكة. فالدول التي تتبنى مبدأ "المعرفة للجميع" وتشارك بياناتها بشفافية، هي الدول التي تتمتع بثقة مواطنيها، وتجذب المستثمرين، وتدعم الابتكار.

إضافة إلى ذلك، فإن البيانات المفتوحة هي وقود الثورة الصناعية الرابعة، وهي الأساس لأي تطور في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، التحليلات التنبؤية، وحتى صناعة المحتوى الرقمي.

الخطوة القادمة: من النشر إلى القيمة

رغم نجاح السعودية في بناء بنية قوية لـ البيانات المفتوحة، إلا أن التحدي القادم يتمثل في تحويل هذه البيانات إلى قيمة. أي أن يتم استخدامها بشكل فعلي من قبل رواد الأعمال، المطورين، الباحثين، وصناع القرار. ويتطلب ذلك:

تطوير أدوات تحليل بصري سهلة الاستخدام.

تسهيل الوصول إلى البيانات بشكل أكثر مرونة.

تحفيز مسابقات الابتكار والهاكاثونات المرتبطة بالبيانات.

إطلاق صناديق دعم للشركات التي تعتمد على البيانات في نماذجها.

السعودية نموذج يحتذى به

أثبتت تجربة السعودية في البيانات المفتوحة أنها ليست دولة فقط تسعى للحاق بالركب الرقمي، بل تصنع لنفسها موقعًا رياديًا إقليميًا وعالميًا. ومع استمرار هذا التوجه، من المتوقع أن نرى خلال السنوات القادمة تطبيقات وخدمات غير مسبوقة تعتمد على تحليل البيانات، سواء في الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، أو حتى إدارة المدن الذكية.

ويبدو أن الدولة قد أدركت جيدًا أن البيانات هي النفط الجديد، وأن الاستثمار في فتحها، وتنظيمها، وتحليلها، هو استثمار في المستقبل.

تم نسخ الرابط