اتفاق اقتصادي قناة السويس و موانئ ابو ظبي

موقع أيام نيوز

من قناة السويس إلى أبوظبي عندما قررت اللوجستيات أن تتزوج الذكاء الاقتصادي!
في عالم لا يتوقف عن الشحن والتفريغ وبينما تنتقل الحاويات من قارة إلى قارة وكأنها رسائل حب معلبة خرجت مصر والإمارات بإعلان يشبه خطوبة استراتيجية اتفاق ضخم بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومجموعة موانئ أبوظبي. لكن مهلا لا تتوقع لغة البيانات الصحفية الباردة لأن هذه الصفقة ليست مجرد اتفاق إنها مغازلة اقتصادية من العيار الثقيل!
فلنبدأ القصة من العنوان منطقة صناعية ولوجستية متكاملة في شرق بورسعيد. نعم يبدو الأمر وكأنه اسم مسلسل تاريخي لكنه في الواقع مشروع استثماري ضخم بمساحة 20 كيلومترا مربعا أي ما يعادل تقريبا مساحة أحلام المستثمرين في المنطقة.
حب من النظرة الأولى... عبر البحر الأحمر
مصر من جهتها مدت يدها بموقع استراتيجي هو الأجمل على الخريطة قناة السويس تلك العجيبة التي تربط بين قارات وتفصل بين مصائر والتي لا تزال حتى اليوم رقما صعبا في معادلة التجارة العالمية.
أما الإمارات فتأتي إلى الطاولة أو لنقل إلى الرصيف بخبرة لوجستية استثنائية خصوصا من خلال مجموعة موانئ أبوظبي التي أصبحت بمثابة غوغل الشحن في المنطقة سريعة دقيقة ولا تنام.
الاتفاق بين الطرفين ينص على إقامة منطقة صناعية متكاملة تشمل مصانع ومراكز تخزين ومرافق لوجستية مرتبطة بميناء شرق بورسعيد. والأجمل أن المشروع سيدار بنظام حق الانتفاع أي إن مصر تحتفظ بالملكية بينما تقوم أبوظبي بالتشغيل والتطوير... زواج عصري بامتياز!
من المصانع إلى الموانئ... والناس في المنتصف
أحد المسؤولين علق مازحا نحن لا نبني مجرد مصانع نحن نبني حركة مرور للحاويات! وبالفعل المنطقة ستشهد نشاطا يليق بمهرجان لوجستي حيث يتوقع أن تستقطب صناعات الطاقة المتجددة الإلكترونيات الأغذية وحتى المنتجات الصديقة للبيئة.
وفيما يتخيل البعض أن اللوجستيات مملة وتقتصر على أكوام صناديق رمادية تأتي هذه الشراكة لتثبت العكس فبمجرد الانتهاء من المنطقة ستفتح فرص عمل وستضخ استثمارات وربما سيبدأ الناس في الحديث عن الموانئ في جلسات السمر!
موانئ أبوظبي ليست مجرد سفن
لم تكن مجموعة موانئ أبوظبي مجرد ضيف شرف في هذه القصة. فهي خلال الأعوام الماضية قادت مشاريع بنى تحتية في عدد من الدول وتحولت إلى لاعب محوري في الاقتصاد العالمي. والآن تضع عينيها على شرق بورسعيد الموقع الذهبي المتاخم لقناة السويس.
المجموعة تأتي بمفاتيحها الخاصة أنظمة تشغيل ذكية منصات رقمية وتجربة في تحويل المرافئ إلى خلايا نحل لا تهدأ. إذا يبدو أن شرق بورسعيد على موعد مع إعادة تشكيل هندسي لهيكل الخدمات اللوجستية بطريقة لا تشبه أي نموذج تقليدي.
مصر قلب العالم ومركز الحاويات الجديد
أما مصر فتعرف جيدا أنها تملك جوهرة لا تقدر بثمن قناة السويس. لكن القاهرة تريد ما هو أكثر من رسوم عبور السفن هي تسعى لأن تصبح مركزا صناعيا عالميا. ولذلك فهذه الشراكة مع أبوظبي ليست مجرد صفقة بل خطوة ذكية ضمن خطة تحويل القناة من ممر إلى محور.
وبينما تسير القطارات نحو المناطق الحرة وتتوسع الموانئ وتضخ الاستثمارات في المصانع يظهر أن مصر تسير على طريق ذكي بدل ما السفينة تعدي... تخليها توقف وتحمل وتنتج وتوظف وتصدر!
المشهد اليوم ضحكات استثمارية... وجدية استراتيجية
في حفل توقيع الاتفاق ظهرت وجوه مسؤولة تبتسم. لكن خلف الابتسامات كانت لغة الأرقام تتحدث بوضوح مليارات من الدولارات في الأفق وعمق استراتيجي يزيد من اندماج اقتصادي البلدين وفرصة حقيقية لتكون شرق بورسعيد نسخة متوسطية من هونغ كونغ العرب.
وفيما تداولت وسائل الإعلام تفاصيل الصفقة تساءل البعض هل هذا مجرد تعاون اقتصادي عابر والجواب باختصار لا. هذا مشروع طويل النفس يقوم على التكامل لا التنافس وعلى بناء مستقبل مشترك بدل تبادل التمنيات الطيبة.
ما الذي تعنيه الصفقة للمواطن العادي
قد يسأل قارئ من حي شعبي في القاهرة أو دبي طيب أنا شو دخلني والجواب بسيط حين تنشأ منطقة صناعية بهذا الحجم فإنها لا توفر فقط فرص عمل للمهندسين بل تفتح أبوابا أمام الحرفيين سائقي الشاحنات الطهاة المحاسبين والمبدعين الذين سيصممون الشعارات والمواقع الإلكترونية للمصانع!
الصفقة ليست بعيدة عن المواطن بل هي جزء من صناعة مستقبل فيه وظائف أكثر وطرق أذكى وأسواق تصدير أوسع.
خاتمة حين يبحر المستقبل من شرق بورسعيد
في زمن تبحث فيه الدول عن شراكات تعني شيئا على الأرض لا في البيانات فقط تأتي هذه الاتفاقية كأنها نموذج جديد للتكامل العربي الاقتصادي الذكي. ليست شعارا فضفاضا بل خطة عمل دقيقة مدروسة وشغوفة بالمستقبل.
من قناة السويس حيث تعبر السفن كأنها أفكار تتحرك عبر الزمان إلى موانئ أبوظبي حيث تنظم الشحنات بدقة نملة تنشأ الآن قصة تعاون تكتب فصلا جديدا في تاريخ الاستثمار العربي.
وفي النهاية يمكننا القول إن اللوجستيات لم تعد مملة بل أصبحت قصة حب مشوقة بين الشرق الأوسط والطموح!

تم نسخ الرابط