السعودية تطرح مشاريع استراتيجية جديدة لتقليل التلوث وتحسين البيئة العامة

تواجه المملكة العربية السعودية تحديًا بيئيًا متعدد الأبعاد، ناتجًا عن النمو السريع في عدد السكان والتوسع العمراني والأنشطة الصناعية الضخمة واعتماد قطاع النقل على الوقود الأحفوري. وقد أدّى ذلك إلى تدهور جودة الهواء في المدن الكبرى، وارتفاع انبعاثات الكربون، واستنزاف الموارد المائية، فضلًا عن تزايد ظاهرة التصحر وفقدان التنوع البيولوجي في بعض المناطق. وفي ضوء رؤيتها الطموحة 2030، انطلقت السعودية خلال السنوات الماضية في تنفيذ مجموعة واسعة من المبادرات الهادفة إلى تقليل التلوث وتحسين البيئة العامة، عبر إطار عمل متكامل أُطلق عليه “المبادرة السعودية الخضراء” ومجموعة أخرى من البرامج المصاحبة.
الإطار الاستراتيجي والرؤية الوطنية
أعلنت المملكة، بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في عام 2021 عن مبادرة “المملكة العربية السعودية الخضراء” التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويًا، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية (Net‑Zero) بحلول عام 2060، وزيادة الغطاء النباتي عبر زراعة 10 مليارات شجرة في أنحاء المملكة والمنطقة، بالإضافة إلى حماية 30% من مساحة اليابسة والمناطق البحرية بحلول 2030 . كما تُكمل هذه المبادرةُ أهداف “رؤية السعودية 2030” الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز جودة الحياة، من خلال نموذج “الاقتصاد الدائري للكربون” الذي يوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة
مشاريع جديدة لزراعة الأشجار وإعادة تأهيل الأراضي
في إطار مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) الذي انعقد في الرياض، أطلقت “المبادرة السعودية الخضراء” خمس مشاريع جديدة بقيمة 225 مليون ريال سعودي (60 مليون دولار) تشمل هذه المشاريع:
زراعة ملايين الأشجار والمسطحات الخضراء: عبر منظمات مثل مجموعة “معادن” ومؤسسة “مروج” وشركة “تنمية للأغذية”، بهدف زيادة الغطاء النباتي وتنقية الهواء.
نثر 300 مليون بذرة في المناطق الصحراوية لتحفيز النمو الطبيعي للنباتات ومكافحة التصحر.
مشاريع إنشاء غابات المانغروف على امتداد السواحل لتثبيت الكربون وحماية السواحل من التآكل.
إعادة تأهيل 118,000 هكتار من الأراضي المتدهورة منذ عام 2021، مع استهداف 8 ملايين هكتار بحلول 2030.
كما شهدت المملكة خلال السنوات الماضية زراعة أكثر من 100 مليون شجرة وتسجيل ولادة أربعة أشبال فهد في إطار “الاستراتيجية الوطنية لحماية الفهد العربي”، مما يعزز جهود تنوع الحياة البرية
مبادرة التمويل الأخضر لتعزيز دور القطاع الخاص
في 20 مارس 2025، كشفت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن إطلاق مبادرة تمويل أخضر بقيمة مليار ريال سعودي (266.6 مليون دولار)، تهدف إلى تسريع استثمارات القطاع الخاص في مشروعات مستدامة وصديقة للبيئة . وتتضمن المبادرة:
صندوق البيئة الذي يقدم حلولًا مالية وتقنية مخصصة للمؤسسات الصغيرة والكبيرة والأكاديميات والمنظمات غير الربحية.
منصة رقمية جديدة ضمن برنامج الحوافز والمنح، تُبسط إجراءات الحصول على التمويل وتتابع تنفيذ المشاريع وتضمن الالتزام باللوائح البيئية.
دعم التقنيات النظيفة والاقتصاد الدائري في قطاعات مثل معالجة المياه، وإدارة النفايات، وتوليد الطاقة المتجددة.
وتعزز هذه الخطوة توجه المملكة نحو اقتصاد أخضر يدرّ خلق فرص عمل مستدامة ويعزز جاذبية الاستثمار في التقنيات البيئية.
مشاريع البنية التحتية للمياه والصرف الصحي
وأدركت المملكة أن أمنها المائي ركيزة للتنمية المستدامة؛ لذا تسارع “الشركة الوطنية للمياه” إلى تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى:
منطقة حائل: 14 مشروع مياه وصرف صحي بتكلفة 1.2 مليار ريال، تشمل مد خطوط مياه بطول 1,342 كيلومترًا ومحطتي ضخ بطاقة 4,000 م³/يوم، إضافةً إلى 153 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي ومحطات ضخ لمعالجة 23,000 م³/يوم
منطقة القصيم: 16 مشروعًا بقيمة 1.1 مليار ريال، منها 12 مشروع صرف صحي بطول 645 كيلومترًا وخطوط مياه بطول 579 كيلومترًا.
المجمع المركزي بمنطقة الرياض: إنجاز مشروع بـ400 مليون ريال لتوصيل المياه المحلاة إلى ضواحي الرياض ومحافظة القُويعية ومشروع القدية، بشبكات طولها 172 كيلومترًا وستة خزانات بسعة 100,000 م³/يوم
دفع الطاقة المتجددة نحو الأمام
في الجانب الطاقي، تهدف السعودية إلى توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030 ضمن برنامج الطاقة الوطنية المتجددة ومبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة . وشملت الإنجازات:
محطة سكاكا للطاقة الشمسية بقدرة 302 ميغاواط، وهي الأولى من نوعها في منطقة الجوف.
مزرعة دومة الجندل لطاقة الرياح بقدرة 500 ميغاواط في منطقة الجوف.
عقود شمسية جديدة: منحت السعودية عقودًا لإقامة 1.7 غيغاواط من محطات الطاقة الشمسية بالتعاون مع TotalEnergies وEDF Renewables بقيمة تجاوزت ملياري دولار
أثر هذه المشاريع ومستقبل الاستدامة
مع استثمار المملكة في أكثر من 85 مبادرة بيئية مستمرة، تتجسد اليوم رؤية السعودية نحو بيئة أكثر نظافة واستدامة . فالتقليل من التلوث الجوي والمائي وإعادة تأهيل الأراضي وتعزيز التنوع البيولوجي، إلى جانب التحول نحو الطاقة الخضراء والاقتصاد الدائري، لا يخدم الأجيال الحالية فحسب، بل يؤسس لاقتصاد متنوع وأكثر مرونة أمام تحديات المستقبل. وبينما تواصل المملكة تنويع مصادر ډخلها وتطوير بنيتها التحتية، ستبقى المبادرات البيئية إحدى ركائز النمو المستدام وسبيلًا لتحقيق جودة حياة أفضل لمواطنيها والمقيمين على أرضها.