الإمارات تحصّن نموها الاقتصادي بإصلاحات مالية واستثمارات غير نفطية

موقع أيام نيوز

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات أسعار الطاقة، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة السير بخطى واثقة نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام، لا يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، بل يتكئ على رؤية استراتيجية تستند إلى تنويع مصادر الدخل، وإصلاحات مالية هيكلية، واستثمارات قوية في القطاعات غير النفطية.

لقد أثبتت الإمارات في السنوات الأخيرة قدرتها على التعامل بمرونة مع المتغيرات العالمية، من خلال تطوير سياسات اقتصادية طموحة تواكب تطلعات المستقبل، وتحقق التوازن بين الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي.

إصلاحات مالية لتعزيز الاستدامة

أدركت الإمارات مبكرًا أن الاعتماد المفرط على النفط كمصدر رئيسي للدخل ليس خيارًا آمنًا على المدى الطويل. لذلك، بدأت منذ سنوات بتطبيق سلسلة من الإصلاحات المالية التي تهدف إلى تنويع الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وضمان استدامة المالية العامة.

من أبرز هذه الإصلاحات:

فرض ضريبة القيمة المضافة (VAT) بنسبة 5% منذ عام 2018، والتي ساهمت في خلق مصدر دخل جديد ومستقر للحكومة.

إدخال الضريبة على أرباح الشركات، والتي ستُطبق بشكل تدريجي ضمن خطة محكمة للحفاظ على بيئة الأعمال التنافسية، وفي الوقت ذاته ضمان العدالة الضريبية وتوفير مصادر تمويل جديدة للمشاريع التنموية.

ترشيد الدعم الحكومي وإعادة توجيهه للفئات الأكثر احتياجًا، مما عزز من كفاءة الموارد وقلل من الهدر المالي.

تُظهر هذه الخطوات نضج السياسة المالية في الإمارات، وحرصها على بناء نموذج اقتصادي لا يتأثر كثيرًا بالتقلبات النفطية.

استثمارات غير نفطية: المحرك الجديد للنمو

في موازاة الإصلاحات المالية، تعمل الإمارات على تعزيز استثماراتها في قطاعات غير نفطية، باعتبارها ركيزة أساسية لتنويع الاقتصاد. وقد حققت الدولة تقدمًا كبيرًا في عدد من المجالات، أبرزها:

الطاقة المتجددة:
تحتضن الإمارات مشاريع رائدة عالميًا في مجال الطاقة الشمسية، مثل مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي، بالإضافة إلى مبادرات استراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

التكنولوجيا والابتكار:
أطلقت الدولة العديد من المناطق الحرة والبيئات الابتكارية، مثل "مدينة دبي للإنترنت" و"أبوظبي HUB71"، لجذب الشركات الناشئة والتقنيات المتقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، والتكنولوجيا المالية.

السياحة والضيافة:
تطورت الإمارات لتصبح وجهة عالمية للسياحة والترفيه، حيث تستقطب ملايين الزوار سنويًا بفضل فعاليات كبرى مثل "إكسبو دبي"، ووجهات سياحية فاخرة، وبنية تحتية عالمية المستوى.

الخدمات اللوجستية والطيران:
تحتل مطارات الإمارات وموانئها مكانة رائدة عالميًا، وتلعب دورًا محوريًا في ربط الشرق بالغرب، مما يجعل الدولة مركزًا تجاريًا إقليميًا ودوليًا لا غنى عنه.

الزراعة المستدامة والأمن الغذائي:
استثمرت الإمارات في تقنيات الزراعة الذكية، والمزارع الرأسية، وتطوير سلاسل الإمداد الغذائي لضمان أمنها الغذائي في ظل التحديات البيئية والمناخية.

البيئة التشريعية المحفّزة للاستثمار

إلى جانب الخطوات الاقتصادية، حرصت الإمارات على تطوير بيئة تشريعية مرنة ومشجعة لجذب الاستثمارات الأجنبية. فقد تم إصدار قوانين جديدة تسمح بملكية الأجانب الكاملة للشركات خارج المناطق الحرة، ما زاد من جاذبية الدولة كمقصد للاستثمار العالمي.

كما أطلقت الإمارات مبادرات مثل الإقامة الذهبية  والإقامة الخضراء لجذب الكفاءات والمستثمرين ورواد الأعمال، مما يعزز رأس المال البشري ويرسّخ الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

نتائج ملموسة للنمو والتنويع

تُظهر المؤشرات الاقتصادية أن هذه السياسات بدأت تؤتي ثمارها، حيث سجّل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الإمارات نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. كما ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وزادت مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس فعالية النهج المتبع.

وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، يُتوقع أن يواصل اقتصاد الإمارات نموه بوتيرة قوية في السنوات المقبلة، مستندًا إلى بيئة اقتصادية مرنة، وسياسات مالية متوازنة، وقطاعات إنتاجية مبتكرة.

نموذج اقتصادي للمستقبل

باختصار، لم تعد الإمارات فقط دولة نفطية تعتمد على تصدير الطاقة، بل أصبحت نموذجًا اقتصاديًا متكاملًا يعتمد على الاستباقية في الإصلاح، والجرأة في التنويع، والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى. إنها دولة تُحصّن اقتصادها لا من خلال النفط فقط، بل من خلال المعرفة، والابتكار، والبنية التحتية المتقدمة.

وبينما يستمر العالم في مواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، تواصل الإمارات تقديم نموذج ملهم لكيفية تحويل التحديات إلى فرص، وبناء اقتصاد متوازن يستطيع أن يصمد في وجه المتغيرات، وينمو بثقة نحو المستقبل.

تم نسخ الرابط