هذه الدولة لديها أكبر عدد من المليارديرات

عندما يُذكر مصطلح "الملياردير"، فإن الأذهان تتجه تلقائيًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي طالما ارتبطت بفرص الثراء والنجاح الاقتصادي. ومع كل تقرير سنوي تصدره مجلات مثل فوربس أو بلومبيرغ حول قائمة أغنى أغنياء العالم، تستمر الولايات المتحدة في تصدر القائمة من حيث عدد المليارديرات، متفوقةً على دول كبرى مثل الصين والهند وألمانيا.
ففي عام 2024، بلغ عدد المليارديرات في الولايات المتحدة أكثر من 800 ملياردير، بحسب مجلة فوربس، وهو رقم يمثل نحو ربع عدد المليارديرات في العالم بأسره. فما الذي يجعل أمريكا تحتضن هذا العدد الهائل من أصحاب المليارات؟ وما هي العوامل التي ساعدت على نمو هذه الثروات في بيئة واحدة دون غيرها؟
عوامل أساسية لاحتضان المليارديرات
1. الاقتصاد الأكبر والأكثر تنوعًا
الولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ويشمل اقتصادها قطاعات ضخمة ومؤثرة مثل التكنولوجيا، التمويل، الصحة، الصناعة، الترفيه، والطاقة. هذا التنوع في القطاعات يوفر فرصًا متعددة لتأسيس شركات عملاقة وتحقيق أرباح ضخمة، كما يسمح بتوزيع الثروات بين مجالات مختلفة وليس قطاعًا واحدًا فقط.
2. ثقافة ريادة الأعمال والابتكار
أحد أبرز خصائص الاقتصاد الأمريكي هو تشجيعه على الابتكار وريادة الأعمال. سياسات تشجيع الاستثمار، والحوافز الضريبية للشركات الناشئة، وبيئة قانونية تحمي الملكية الفكرية، كلها ساهمت في جذب المواهب وتأسيس شركات ضخمة من الصفر. شركات مثل أمازون (جيف بيزوس)، تسلا (إيلون ماسك)، وفيسبوك (مارك زوكربيرغ) بدأت كمشاريع ناشئة وتحولت إلى إمبراطوريات تجارية ضخمة.
3. قوة سوق المال
تُعتبر الولايات المتحدة موطنًا لأكبر وأقوى الأسواق المالية في العالم، مثل بورصة نيويورك (NYSE) وناسداك. هذه الأسواق تتيح للشركات طرح أسهمها للاكتتاب العام وجمع رؤوس أموال ضخمة، مما يساعد على النمو السريع وتحقيق تقييمات عالية. المستثمرون وأصحاب الشركات غالبًا ما يصبحون مليارديرات بمجرد إدراج شركاتهم في البورصات الأمريكية.
4. الثقافة الاستثمارية القوية
يتميّز الشعب الأمريكي بثقافة استثمارية راسخة، ليس فقط على مستوى الأفراد بل أيضًا على مستوى الصناديق الاستثمارية وصناديق التقاعد. هذه الثقافة تتيح تدفقًا دائمًا لرؤوس الأموال نحو المشاريع الجديدة، وتسهم في تعزيز دورة النمو الاقتصادي، التي تصب في النهاية في مصلحة أصحاب المشاريع الكبرى، وتجعلهم أكثر قدرة على تحقيق الثروات.
من هم أبرز المليارديرات الأمريكيين؟
يضم المجتمع الاقتصادي الأمريكي عددًا كبيرًا من الشخصيات ذات الثروات الطائلة، ومن أبرزهم:
إيلون ماسك: مؤسس تسلا وSpaceX. تتذبذب ثروته لكنها تبقى غالبًا في المركز الأول أو الثاني عالميًا.
جيف بيزوس: مؤسس شركة أمازون، وقد احتل المركز الأول عالميًا لعدة سنوات.
مارك زوكربيرغ: مؤسس فيسبوك (ميتـا)، وهو من أصغر المليارديرات سنًا.
بيل غيتس: مؤسس مايكروسوفت، ويعتبر من أوائل المليارديرات في عصر التكنولوجيا.
وارن بافيت: المستثمر الأسطوري، والرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاوي.
كل هؤلاء المليارديرات لم يورثوا ثرواتهم، بل صنعوها من خلال الابتكار، والإدارة الناجحة، والاستثمار الذكي، مما يعكس خصائص "الحلم الأمريكي" في أبهى صوره.
المقارنة مع دول أخرى
رغم أن الصين تأتي في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد المليارديرات، فإن الفارق بينهما لا يزال كبيرًا. يعود ذلك جزئيًا إلى طبيعة النظام السياسي الصيني، والذي لا يتيح نفس المستوى من الحرية الاقتصادية والانفتاح الذي تتمتع به الولايات المتحدة. كذلك، فإن الهند تشهد صعودًا سريعًا في أعداد الأثرياء، لكنها لا تزال متأخرة عن أمريكا بفارق كبير.
كما أن العديد من الدول الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وفرنسا، لديها عدد محدود من المليارديرات مقارنة بأمريكا، ويُعزى ذلك إلى ضرائب الثروة المرتفعة، والسياسات الاقتصادية المحافظة، وضعف بيئة الابتكار مقارنة بالولايات المتحدة.
الانتقادات والمخاۏف
رغم أن وجود عدد كبير من المليارديرات يُعتبر مؤشرًا على قوة الاقتصاد، إلا أن هناك انتقادات متزايدة داخل أمريكا بشأن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. تشير تقارير اقتصادية إلى أن الثروة في أمريكا تتركز بشكل متزايد في أيدي قلة قليلة، ما يثير تساؤلات حول العدالة الاقتصادية والفرص المتساوية.
تطالب بعض الأصوات السياسية بفرض ضرائب أعلى على المليارديرات، وتحقيق إصلاحات في النظام الضريبي للحد من تراكم الثروات المفرطة.
خاتمة
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى في الصدارة عالميًا فيما يتعلق بعدد المليارديرات في المستقبل القريب، بفضل بيئتها الاقتصادية الداعمة للنجاح، وأسواقها المالية العملاقة، وثقافتها التي تمجد الابتكار والحرية الاقتصادية. لكن مع ذلك، يبقى التحدي الأساسي أمامها هو تحقيق توازن بين النجاح الفردي والعدالة الاجتماعية.