عرض أرشيفات ويس أندرسون في متحف التصميم

ويس أندرسون في قلب لندن: متحف التصميم يحتفي بعالمه السينمائي الساحر
لندن – مايو 2025
في قلب العاصمة البريطانية، حيث يلتقي الفن بالتاريخ في تناغم لا يخلو من الحداثة، احتضن متحف التصميم في لندن واحدًا من أكثر المعارض المرتقبة هذا العام:
داخل عقل ويس أندرسون ، معرض أرشيفي شامل يفتح أبواب خيال هذا المخرج العبقري أمام الجمهور، مستعرضًا مسيرته السينمائية البصرية التي لا تشبه أحدًا، والتي طالما كانت بمثابة قصائد مصورة عن الطفولة، العزلة، والجمال غير المتوقع.
من الفكرة إلى الفيلم: أرشيف حيّ لصانع الأحلام
يمتد المعرض على مساحة مخصصة داخل المتحف، ويضم مجموعة نادرة من الرسومات الأصلية، مخططات المشاهد، مفكرات التصوير، الديكورات المصغّرة، الأزياء، والمواد الفيلمية التي لم تُعرض من قبل، والمأخوذة من أرشيف أندرسون الشخصي، وكذلك من أرشيفات شركائه الفنيين.
إنه ليس مجرد معرض للملصقات أو صور الأفلام، بل تجربة حسية تغوص بك في الطبقات العميقة لعملية الخلق السينمائي، كما لو كنت تتسلل إلى مكتب المخرج في لحظة الإلهام الأولى.
الزائر لا يكتفي برؤية كواليس أفلام مثل The Grand Budapest Hotel أو Moonrise Kingdom أو Fantastic Mr. Fox، بل يعايش تطورها من الورق إلى الشاشة، مرورًا بكل لحظة شك وتجريب وتحوّل.
متحف التصميم يكرّم البساطة المعقدة
اختيار متحف التصميم تحديدًا لاستضافة هذا المعرض لم يكن مصادفة، فالمؤسسة التي كرّست نفسها لفن التصميم بكل أشكاله — من الهندسة المعمارية حتى الأزياء — تجد في أعمال أندرسون مادة نموذجية للتأمل في "الجمال المصنوع".
فأفلام أندرسون ليست سينما فقط، بل تصميم حيّ: كل لون موضوع عن قصد، كل زاوية محسوبة، كل قطعة أثاث مرسومة يدويًا قبل التنفيذ.
يقول تيم مارلو، المدير التنفيذي للمتحف:
"ويس أندرسون يعامل كل مشهد كما لو كان لوحة متحركة، تصميمه للعالم لا يقل دقة عن تصميم المهندس المعماري لمبنى. لذا أردنا أن نقدم أرشيفه كدرس حيّ في فنون التنظيم، التناغم، والتفاصيل."
الحنين كهوية بصرية
ما يجعل هذا المعرض مشوقًا ليس فقط جمالياته، بل العاطفة الكامنة فيه.
العديد من المعروضات، مثل دفتر ملاحظات صغير كتبه أندرسون بخط يده في بداية التسعينيات، أو قصاصات الجرائد التي استوحى منها شخصية في فيلم The French Dispatch، تعكس الحنين كوقودٍ إبداعي.
المعرض يُظهر كيف أن هذا الحنين، بعيدًا عن كونه مجرد "أسلوب"، هو في الواقع بوصلة فنية لدى أندرسون. فكل مشهد، وكل عنصر ديكور، وكل لحن موسيقي، يحاول أن يعيد بناء عالم يبدو مألوفًا وغريبًا في آن واحد.
تجربة تفاعلية... لا مشاهدة فقط
من أبرز ما يميز المعرض أنه لا يكتفي بعرض الأرشيف، بل يدمج الزائر فيه.
هناك غرف تفاعلية يمكن للجمهور دخولها، تم تصميمها على هيئة مواقع تصوير من أفلام أندرسون، مثل بهو فندق "بودابست"، أو شاطئ من فيلم "حكاية القمر المكسور".
كما تم تخصيص قسم للأطفال ولعشّاق التحريك، حيث يمكنهم تجربة تحريك دمى مستوحاة من فيلم Isle of Dogs، وفهم كيفية تحريك مشهد واحد عبر عشرات الإطارات.
الهدف ليس فقط تكريم أندرسون، بل تحفيز الزوار على التفكير الإبداعي وفهم التعقيد الذي يكمن خلف البساطة الظاهرة.
عالم موازٍ... ولكن حقيقي جدًا
المعرض دعوة للانتباه إلى التفاصيل، لرؤية الجمال في الشيء الصغير، للتأمل في انسجام غير متوقع بين ألوان الجدران وملامح الوجوه.
الزائر يخرج من المعرض وكأنه شاهد فيلمين في آن واحد:
واحد أنتجته الكاميرا، والآخر أنتجته الذاكرة.
رسالة بصرية للأجيال القادمة
من خلال هذا العرض الأرشيفي، يُثبت ويس أندرسون أن الإبداع لا يُبنى على العبث، بل على العمل الصبور، والتجريب، والخيال المنضبط.
وفي زمن تتسارع فيه الصورة وتُستهلك في لحظات، يقدم المعرض دعوة للعودة إلى البطء، إلى التصميم، إلى السينما التي تُفكَّر وتُحس وتُصمَّم كما تُروى.
سيستمر المعرض في متحف التصميم حتى نهاية سبتمبر 2025، ويتوقع أن يستقطب عشرات الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء العالم، لا سيما عشاق السينما، والمهتمين بالتصميم، ودارسي الفنون البصرية.
في الختام، لا يمكن وصف هذا المعرض إلا بأنه زيارة إلى عقل رجل يُصمّم أفلامه كما تُصمَّم التحف الفنية.
إنه احتفاء بالصورة، باللون، بالمزاج، وبالفن الذي لا ېخاف من أن يكون جميلًا... وغريبًا... وويس أندرسونيًا.