حزب العمل الكردستاني يعلن عن حل نفسه بعد عقود من الصراع ضد تركيا

في تطور غير مسبوق على الساحة السياسية والأمنية في تركيا والمنطقة، أعلن حزب العمال الكردستاني، الإثنين، عن حلّ نفسه رسميًا، وفقًا لما أوردته وسائل إعلام مقربة من الحزب، في خطوة وصفت بأنها تاريخية بعد أكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح مع الدولة التركية، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف وتسبب في أزمات إنسانية وأمنية متكررة.
وأكد الحزب، في بيان نقلته وكالة فرات للأنباء، المعروفة بقربها من الجماعات الكردية، أن المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني قرر إنهاء الهيكل التنظيمي للحزب، وإغلاق صفحة الكفاح المسلح بشكل نهائي.
وأضاف البيان أن الحزب سيتوقف عن العمل تحت اسمه المعروف، في حين ستتم إدارة الآلية العملية للحل بإشراف الزعيم التاريخي للحزب، عبد الله أوجلان، القابع في السجون التركية منذ عام 1999.
وأوضح البيان أن هذه الخطوة جاءت في إطار مراجعة شاملة لمستقبل الكفاح السياسي الكردي، وضمن رؤية جديدة ترتكز على السعي لتحقيق الحقوق الكردية من خلال الوسائل السلمية والسياسية، بعيدًا عن المواجهة المسلحة التي اسټنزفت جميع الأطراف لعقود.
ويُعد حزب العمال الكردستاني، الذي أُسّس عام 1978 على يد عبد الله أوجلان وعدد من الناشطين اليساريين، من أبرز الحركات الكردية المسلحة في المنطقة.
وقد خاض صراعًا دامياً مع الدولة التركية منذ عام 1984، مطالبًا في بداياته بالاستقلال الكامل للأكراد في جنوب شرق تركيا، قبل أن يتحول لاحقًا إلى المطالبة بالحكم الذاتي وتوسيع الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد داخل الدولة التركية.
طوال سنوات الڼزاع، صنّفت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحزب كتنظيم إرهابي، في ظل العمليات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن والبنية التحتية ومناطق مدنية، ما أدى إلى سقوط آلاف القټلى والچرحى من الجانبين، إضافة إلى نزوح مئات الآلاف من سكان المناطق الكردية.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تغييرات كبيرة في خطاب الحزب واستراتيجيته، إذ دعا مرارًا إلى الحوار السياسي، وطرح مبادرات لوقف إطلاق الڼار، كان أبرزها تلك التي أُعلنت في شهر مارس/آذار الماضي، حين دعا عبد الله أوجلان، من محبسه، إلى وقف فوري لإطلاق الڼار، مطالبًا المقاټلين بإلقاء السلاح وبدء مرحلة جديدة من النضال السلمي.
وتزامن إعلان الحزب عن حلّ نفسه مع تحولات إقليمية ودولية، وظروف داخلية متقلبة في تركيا، حيث تعيش البلاد حالة من التوتر السياسي والاقتصادي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تمثل فرصة لإعادة بناء العلاقة بين الدولة التركية والمكوّن الكردي، خاصة إذا تبعتها إصلاحات حقيقية على مستوى الحقوق السياسية والثقافية للأكراد.
من جهتها، لم تصدر الحكومة التركية تعليقًا رسميًا فوريًا على إعلان الحزب، إلا أن مصادر مقربة من أنقرة وصفت القرار بـ التطور الإيجابي الذي ينبغي التعامل معه بحذر، مشيرة إلى أن التنفيذ العملي للحل هو ما سيحدد جدية الحزب في التخلي عن السلاح.
ويرى محللون أن هذا القرار، إذا ما طُبق على الأرض فعليًا، قد يُنهي أحد أطول النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار في جنوب شرق تركيا، وربما ينعكس إيجابيًا على الوضع الإقليمي، خصوصًا في ظل تعقيدات الملف الكردي في كل من العراق وسوريا.
وبينما يبقى مصير عناصر الحزب وأذرعه المسلحة في الخارج، خصوصًا في جبال قنديل شمال العراق، موضع تساؤلات، فإنّ الإعلان عن حل الحزب يمثل بداية جديدة على الأقل نظريًا ا لمسار سياسي جديد يسعى إلى إنهاء عقود من العڼف، وبناء مستقبل قائم على الحوار والاعتراف بالحقوق في إطار الدولة.