أزمة التعليم في العالم العربي هشام شرابي

موقع أيام نيوز

يُعد المفكر الفلسطيني هشام شرابي من أبرز المثقفين العرب الذين اهتموا بتحليل الواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية، وقد وجه نقداً عميقاً ومتقناً إلى مؤسسة التعليم، التي يرى أنها تلعب دوراً محورياً في تشكيل شخصية الفرد والمجتمع. لكن هذه المؤسسة، كما يرى شرابي، تعاني من خلل جوهري في أدواتها وأهدافها، ما يؤدي إلى إنتاج جيل لا يملك القدرة على التفكير النقدي ولا الاستقلال الذاتي.

في كتاباته النقدية، خاصة في أعماله التي تناولت الطفولة والعائلة والتعليم، يشير شرابي إلى أن مؤسسة التعليم في مجتمعاتنا تعاني من عاملين سلبيين رئيسيين : أولهما هو غياب منطق الإقناع والمكافأة في العملية التعليمية، وثانيهما هو استمرار ممارسة العقاپ الجسدي كوسيلة للتحكم في سلوك الطلاب. ويقول شرابي: "فالطفل الذي يدخل المدرسة مليئاً بالفضول والحماس للتعلم، قد يخرج منها وقد فقد كل ذلك بسبب أساليب التعامل القمعية والتربوية الخاطئة".

التعليم بين الإقناع والقمع

يشير شرابي إلى أن العملية التعليمية يجب أن تكون قائمة على الحوار والتفاهم والتحفيز الإيجابي ، وليس على أوامر صارمة وعقوبات قاسېة. فالطالب، وخاصةً في مراحل النمو الأولى، يحتاج إلى بيئة آمنة تشجعه على التعلم واكتشاف الأخطاء دون خوف من العقاپ أو السخرية. ولكن الواقع التعليمي في كثير من المدارس العربية ما زال يعتمد على السلطة الصارمة ، حيث يُفرض عليه التلقين والطاعة دون نقاش، ويُعاقب إذا لم يلتزم بالقواعد حتى لو كانت غير عادلة.

ويضيف شرابي أن هذا النهج التعليمي لا يخلق طالباً فكّاكاً ومبدعاً، بل يُنتج فرداً خائفاً ومستسلماً، يتجنب الخطأ حتى لو كان ذلك يعني عدم التفكير إطلاقاً. ويوضح أن غياب منطق الإقناع والمكافأة يحرم الطفل من الدافع الداخلي للتعلم، ويحوّل المدرسة إلى مكان لا يثير فيه الفضول، بل يخيفه.

العقاپ الجسدي وآثاره النفسية

أما العامل الثاني الذي ينتقده شرابي بشدة فهو استمرار استخدام العقاپ الجسدي في بعض المدارس، رغم تحريم هذا النوع من العقوبات في العديد من التشريعات الحديثة. ويصف شرابي العقاپ الجسدي بأنه أحد أشكال العڼف الممنهج ضد الأطفال، وهو يُعتبر دليلاً على ضعف الوسائل التربوية المتاحة للمعلمين والإدارات المدرسية.

ويرى أن استخدام العصا أو الضړب أو أي شكل من أشكال العڼف الجسدي أو النفسي ليس فقط غير أخلاقي، بل إنه ضار نفسياً واجتماعياً على المدى البعيد. فإن الطفل الذي يتعرض للضړب في المدرسة لا يتعلم الانضباط الحقيقي، بل يتعلم أن القوة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلطة، وأن الخۏف هو أساس العلاقة بين الإنسان وبيئته.

وقد أظهرت العديد من الدراسات النفسية أن الأطفال الذين يتعرضون للعقاپ الجسدي في البيئة المدرسية يصبحون أكثر عرضة لتطوير مشاعر الكراهية والرفض تجاه التعليم، كما يميلون إلى العدوانية أو الانطواء والانعزال في مراحل متقدمة من حياتهم.

دور المدرسة في بناء الشخصية

لا ينظر شرابي إلى المدرسة كمكان لنقل المعلومات فحسب، بل يراها مؤسسة تربوية مركزية لها دور كبير في تشكيل شخصية الفرد وقيم المجتمع. فإذا كانت المدرسة تقوم على العڼف والقمع، فإنها بذلك لا تزرع العلم فحسب، بل تزرع أيضاً الخۏف والخنوع واللامبالاة. ويؤكد شرابي أن هذا النوع من التعليم لا يخدم مستقبل الأفراد أو الدول، بل يُضعف القدرة على التغيير والإصلاح في المستقبل.

الخلاصة

إن نقد هشام شرابي لمؤسسة التعليم ليس مجرد ملاحظات سطحية، بل هو تحليل عميق لجذور أزمة التعليم في العالم العربي. فهو لا يطالب فقط بتغيير المناهج أو الأساليب التقنية، بل بـتغيير ثقافة التعليم نفسها ، والسعي نحو بيئة تعليمية إنسانية قائمة على الاحترام والتفاهم والتحفيز.

يقول شرابي: "فالطفل الذي يُعاقب جسديًا أو معنويًا في المدرسة، لن يتعلم سوى أن القوة هي الوسيلة الوحيدة للسيطرة، وأن الخۏف هو أساس العلاقة بين الإنسان وبيئته." لذلك، فإن الإصلاح الحقيقي يبدأ بإعادة النظر في كيفية التعامل مع الطفل داخل المدرسة، ليتحول التعليم من عملية قمعية إلى مشروع تنموي إنساني حقيقي يعزز الكرامة والحرية والتفكير النقدي.

تم نسخ الرابط