المسابقات الفضائية: كيف يتسابق العالم لاستكشاف المريخ؟

موقع أيام نيوز

المسابقات الفضائية: كيف يتسابق العالم لاستكشاف المريخ؟

المقدمة

منذ أن خطى الإنسان أولى خطواته نحو الفضاء في منتصف القرن العشرين، لم يتوقف طموح البشرية عند حدود الأرض. ومن بين جميع الكواكب، استأثر كوكب المريخ باهتمام خاص نظرًا لتشابهه النسبي مع الأرض وإمكانية أن يكون يومًا ما موطنًا للبشر. على مدار العقود الماضية، تطور استكشاف المريخ من مجرد صور ضبابية التقطتها مركبات مدارية، إلى عربات جوالة تستكشف سطحه وتحلل تربته، واليوم نجد أنفسنا أمام سباق عالمي محموم تقوده وكالات الفضاء العالمية، والدول الناشئة، والشركات الخاصة العملاقة، للوصول إلى هذا الكوكب، بل واستعماره. فما هي طبيعة هذا السباق؟ ومن هم أبرز اللاعبين فيه؟ وماذا يحمل المستقبل؟

الفصل الأول: بدايات السباق نحو المريخ

الحقبة الأولى: الاستكشاف من بعيد

كانت بدايات استكشاف المريخ متواضعة نسبيًا. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بإطلاق مهمات غير مأهولة نحو الكوكب الأحمر. ورغم الفشل الذي واجه العديد من تلك المهمات، كانت هناك نجاحات بارزة مثل مهمة "مارينر 4" الأمريكية التي التقطت أول صور قريبة للمريخ عام 1965، وكذلك برنامج "مارس" السوفييتي الذي أوصل أول مركبة إلى سطح الكوكب.

التطور التقني وتزايد الطموح

مع تطور الحوسبة والأنظمة الفضائية، تحسن أداء البعثات. شهدت التسعينيات وبداية الألفية الجديدة انطلاقة جديدة لمهام المريخ مثل "باثفايندر" و"سبيريت" و"أوبورتيونيتي" التي قدمت بيانات غير مسبوقة حول المناخ والتضاريس والماء على المريخ. شكلت هذه الحقبة الأساس للمرحلة التالية من السباق.

الفصل الثاني: العصر الجديد للمنافسة

ناسا: ريادة علمية واستراتيجية بعيدة المدى

منذ عام 2010، اتبعت ناسا استراتيجية طويلة المدى لاستكشاف المريخ، تبدأ بالاستكشاف الروبوتي وتنتهي بإرسال بشړ إلى سطح الكوكب في ثلاثينيات هذا القرن. مركبة "كيريوسيتي" التي أُطلقت في 2012 ثم "بيرسيفيرانس" في 2020، جسّدتا الذروة العلمية لهذه المرحلة. "بيرسيفيرانس" تحديدًا تميزت بمهمة جمع عينات ستُعاد لاحقًا إلى الأرض، إضافة إلى إطلاق مروحية "إنجينويتي" التي أثبتت لأول مرة إمكانية الطيران على كوكب آخر.

الصين: من اللحاق إلى القيادة

أذهلت الصين العالم بإطلاق مهمة "تيانوين-1" التي تضمنت مدارًا، ومركبة هبوط، وعربة جوالة، وهو إنجاز غير مسبوق لدولة تنفذ مهمتها الأولى إلى المريخ. العربة "تشورونغ" بدأت استكشاف السهول الشمالية للكوكب وجمعت بيانات هامة عن الجيولوجيا والمناخ. الصين تخطط لمهمة عودة عينات بحلول 2030، وربما أول بعثة مأهولة بعد ذلك.

أوروبا وروسيا: شراكات معقدة وآمال مؤجلة

مشروع "إكسو مارس" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالتعاون مع روسيا كان من المفترض أن يُطلق في 2022، لكنه تأجل بسبب الحړب في أوكرانيا. هذا يعكس التحديات الجيوسياسية التي تؤثر على استكشاف الفضاء. ومع ذلك، تبقى أوروبا لاعبًا رئيسيًا بفضل خبراتها العلمية وأدواتها المتقدمة.

الإمارات: دخول عربي إلى السباق

في إنجاز غير مسبوق، أطلقت الإمارات "مسبار الأمل" الذي وصل إلى مدار المريخ في فبراير 2021، ليكون أول مسبار عربي وإسلامي يحقق هذا الإنجاز. يقدم المسبار بيانات عن الغلاف الجوي للمريخ ويشارك نتائجه مع المجتمع العلمي العالمي، ما يجعل من الإمارات شريكًا علميًا لا يُستهان به.

الهند: الإنجاز بأقل التكاليف

بعثة "مانجاليان" الهندية، التي أطلقتها وكالة ISRO في 2013 ووصلت إلى المريخ في 2014، سجلت سابقة كأول مهمة آسيوية تصل إلى مدار المريخ، وبتكلفة منخفضة جدًا. تسعى الهند لتكرار التجربة عبر إرسال بعثات أكثر تطورًا في المستقبل القريب.

الفصل الثالث: القطاع الخاص يدخل المنافسة

سبيس إكس: طموح استعمار المريخ

تُعد شركة سبيس إكس بقيادة إيلون ماسك من أبرز الفاعلين في مجال الفضاء التجاري. مشروعها الأضخم "ستارشيب" يهدف إلى نقل مئات الأشخاص إلى المريخ. يجري تطوير هذه المركبة لتكون قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل، ما يخفض التكاليف بشكل كبير. الهدف النهائي لماسك هو إنشاء مستعمرة بشړية مكتفية ذاتيًا على سطح الكوكب الأحمر.

بلو أوريجن وشركات أخرى

بينما تتصدر سبيس إكس المشهد، تسعى شركات مثل "بلو أوريجن" و"ريليتي سبيس" إلى بناء تقنيات دعم الحياة وأنظمة الدفع الفضائي، التي ستكون ضرورية لمهام طويلة الأمد إلى المريخ.

الفصل الرابع: تحديات الاستكشاف والاستيطان

تحديات تقنية

الهبوط الآمن: المريخ يملك غلافًا جويًا رقيقًا يصعب استخدامه في إبطاء المركبات أثناء الهبوط.

نقل الموارد: يصعب إرسال كل ما يحتاجه رواد الفضاء من الأرض، لذا تُدرس تقنيات لاستخدام الموارد المحلية.

تحديات إنسانية

الإشعاع الكوني: يمثل خطرًا على حياة الرواد.

العزلة النفسية: البعثات إلى المريخ قد تستغرق شهورًا طويلة.

تحديات سياسية وأخلاقية

من يملك المريخ؟ لا يزال الجدل قائمًا حول القوانين التي تنظم ملكية الكواكب.

التلوث البيولوجي: يجب تجنب تلويث المريخ بكائنات من الأرض.

الفصل الخامس: التعاون أم التنافس؟

رغم وجود روح التنافس، يُظهر التاريخ أن التعاون في استكشاف الفضاء يحقق نتائج أفضل. المحطة الفضائية الدولية مثال على ذلك. وربما يُفضي الطموح المشترك لاستكشاف المريخ إلى تحالفات غير مسبوقة بين دول متنافسة اليوم.

الخاتمة: إلى أين نتجه؟

يتزايد عدد الدول والشركات التي تضع المريخ ڼصب أعينها. من الواضح أن السنوات العشر القادمة ستكون حاسمة في تاريخ الاستكشاف الفضائي. قد نشهد أول رحلة مأهولة إلى المريخ، أو بناء أول قاعدة بشړية على سطحه، أو حتى اكتشاف حياة ميكروبية فيه. ما هو مؤكد أن السباق لا يزال في بدايته، وأن الرابحين الحقيقيين هم البشرية بأكملها.

تم نسخ الرابط