أفلام الكرتون: لماذا ينساها الجيل الجديد

موقع أيام نيوز

تُعزى ظاهرة تراجع ارتباط الجيل الجديد بأفلام الكرتون إلى عوامل عدة؛ أهمها تنوع منصات الترفيه الرقمية مما أدى إلى تشتيت الانتباه وتراجع البرمجة التقليدية المصممة للأطفال، بالإضافة إلى التحولات الثقافية والاجتماعية التي أفرزت أشكالًا جديدة من الترفيه التفاعلي. كما لعبت خوارزميات البث الرقمي دورًا في إضعاف الذاكرة الجماعية تجاه إنتاجات الكرتون القديمة بسبب التركيز على المحتوى الجديد المدفوع بالبيانات. وتنعكس تداعيات هذا النسيان على فقدان الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة بين الأجيال، مما يستدعي تطوير استراتيجيات للحفاظ على تراث الرسوم المتحركة وضمان انتقاله للأجيال القادمة.

أهمية أفلام الكرتون في الثقافة الشعبية

تُعد أفلام الكرتون من أهم مظاهر الثقافة الشعبية التي أسهمت في تشكيل الذاكرة الجماعية للأطفال عبر العقود، إذ كانت منصّة فنية تعليمية وترفيهية في آن واحد. وتظهر الأبحاث أن الأطفال يتعلمون من خلال الرسوم المتحركة قيمًا اجتماعية وقصصًا أخلاقية تعزز قدرتهم على التعاون والتواصل مع الآخرين.

الأسباب التي دفعت الجيل الجديد لنسيان الكرتون

1. تنوع المنصات وانتشار المحتوى

مع ظهور منصات مثل YouTube وNetflix وتطبيقات الألعاب الإلكترونية، أصبح أمام الطفل خيارات لا حصر لها من الترفيه، ما أدى إلى تراجع حصة الكرتون التقليدية من وقت المشاهدة. إذ يستخدم الأطفال اليوم خدمات تعتمد خوارزميات لجذبهم بمحتوى جديد باستمرار، مما يُضعف فرص إعادة مشاهدة مسلسلات الكرتون القديمة ويحدّ من تكرار التعرض لها.

2. تأثير البث الرقمي على الذاكرة الجماعية

تتبنى خدمات البث الرقمي جمع بيانات المشاهدة لتوجيه الاستثمارات نحو إنتاج جديد يحقق نسب مشاهدة عالية، مما يقلل من إعادة إتاحة الأعمال القديمة على هذه المنصات. ويشير تقرير إلى أن “حقبة الرسوم المتحركة الذهبية” باتت قليلة التوفر رقميًا بالمقارنة مع محتويات البث الحديثة، الأمر الذي يساهم في طمس الذاكرة الجماعية تجاهها.

3. تراجع برمجة الأطفال التلفزيونية التقليدية

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عن انخفاض في إنتاج برامج الأطفال الأصلية على القنوات التقليدية لصالح التوجه إلى النشر الرقمي، مما أدى إلى تقليص التنوع في عروض الكرتون المناسبة لعمر الطفل وتراجع اهتمام الأهل بإشرافهم المباشر على المشاهدة التلفزيونية.

4. تشتت الانتباه وقصر فترة التركيز

تشير المناقشات على المنتديات المتخصصة إلى أن الأجيال الحديثة باتت تملك فترات تركيز أقصر نتيجة الاعتياد على المحتوى السريع والمتقطع على الإنترنت، ما يصعّب عليها الجلوس لفترات طويلة لمتابعة حلقات كاملة من مسلسلات الكرتون الكلاسيكية التي تتميز بسرد أعمق وزمن أطول.

5. التحولات الثقافية والاجتماعية والألعاب التفاعلية

برزت الألعاب الإلكترونية التفاعلية والواقع الافتراضي كبدائل قوية لأفلام الكرتون، حيث تُتيح للاعبين المشاركة الفعلية في العالم الافتراضي بدلاً من المشاهدة السلبية فقط. وقد أدت هذه البيئة التفاعلية إلى تغيير مفهوم الترفيه لدى الأطفال جيل زد، وانحسار الاهتمام بالمحتوى الثابت كالرسوم المتحركة.

تداعيات نسيان الكرتون القديم

فقدان الروابط الثقافية المشتركة: تعمل رسوم الكرتون الكلاسيكية كمرجع ثقافي يلجأ إليه الكبار لتقريب الجيل الأصغر وفهم ماضي المجتمع، والنسيان يقطع هذه الجسور.

انخفاض أهمية الحكاية الجماعية: فقد كانت حلقات الكرتون جزءًا من روتين العائلة، يلتقي فيه الإخوة والأصدقاء لمشاهدتها معًا، ويعزز روح المشاركة والترابط، والذي تضاءل مع تحول المشاهدة إلى أجهزة فردية.

قلّة تعريف الأطفال بالتراث الفني: العديد من الأساليب الرسومية والموسيقى التصويرية في الكرتون الكلاسيكي تشكل إرثًا فنيًا مهمًا، والنسيان يعني فقدان وصلات هامة في تاريخ الفن الترفيهي.

تراجع المناقشات والجمعات الاجتماعية: كانت أفلام الكرتون سببًا لإقامة فعاليات ونقاشات حول قيم الصداقة والشجاعة والإبداع، ويعني غيابها تقليص فرص الحوار البناء بين الأجيال حول هذه المواضيع.

مقترحات للحفاظ على تراث الكرتون

رقمنة الأرشيف: توفير النسخ الأصلية للأعمال الكلاسيكية على منصات البث بدقة عالية مع تصنيفات عمرية واضحة.

إدراجها في المناهج: تضمين بعض حلقات الكرتون التعليمية في البرامج الدراسية لتعريف الطلاب بقيمة الرسوم المتحركة التاريخية.

تنظيم مهرجانات وفعاليات: إقامة عروض سنوية للكرتون الكلاسيكي مع ندوات تفاعلية تجمع مختلف الأعمار.

تشجيع الإنتاج الهجين: دعم مشاريع تجمع بين الأسلوب الكلاسيكي والتقنيات الحديثة (مثل الواقع المعزز) لتجربة جديدة تجذب الشباب.

إن نسيان الجيل الجديد لأفلام الكرتون يشكل تحديًا ثقافيًا يستدعي العمل المشترك بين الحكومات والمؤسسات التعليمية ومنصات البث وصناع المحتوى للحفاظ على هذا الإرث الفني، وضمان انتقاله للأجيال القادمة كجزء من الهوية الثقافية المشتركة. وختامًا، يبقى الكرتون أكثر من ترفيه؛ إنه جسر بين الماضي والحاضر، ومرآة تنعكس عليها قيمنا وقصصنا الإنسانية.

تم نسخ الرابط