فاطمة بنت مبارك تصل إلى إسطنبول في زيارة رسمية إلى تركيا

زيارة رسمية تُعزِّز جسور التعاون الإنساني والثقافي بين الإمارات وتركيا
في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية تركيا، توجّهت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، في زيارة رسمية إلى إسطنبول، حاملةً معها رؤيةً تُكرِّس قيم الحوار الثقافي وبناء الشراكات الإستراتيجية التي تخدم مصالح الشعبين. تُعتبر هذه الزيارة محطةً بارزةً في مسيرة التعاون بين البلدين، لا سيّما في مجالات تمكين المرأة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والتي تُعدّ من أبرز المحاور التي تتبنّاها سموها على الصعيدين المحلي والدولي.
السياق التاريخي للعلاقات الإماراتية التركية
قبل الخوض في تفاصيل الزيارة، من المهم استحضار الإرث التاريخي للعلاقات بين البلدين، التي تأسست على احترام متبادل وتطلعات مشتركة نحو الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة. فعلى الرغم من اختلاف الخلفيات الثقافية، تشترك الإمارات وتركيا في رؤية تُقدِّر التنوّع وتعمل على تحويله إلى جسر للتعاون. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في السبعينيات، شهدت الروابط تطوراً ملحوظاً في مجالات الاقتصاد والسياحة، حيث تُعد تركيا شريكاً تجارياً مهماً للإمارات، بينما تحتل الإمارات مركزاً متقدماً في قائمة المستثمرين الأجانب في السوق التركية.
غير أن الزيارة الحالية لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك تتجاوز الأبعاد الاقتصادية لتلامس الجوانب الإنسانية والاجتماعية، انطلاقاً من إيمان سموها بأن التقدم الحقيقي لا يُقاس بالنمو المادي فحسب، بل بمدى تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحقوق الأساسية للأفراد، خاصة النساء والأطفال.
فاطمة بنت مبارك: مسيرة عطاء في تمكين المجتمع
تُعد الشيخة فاطمة بنت مبارك أحد أبرز الأيقونات العالمية في مجال النهوض بالمرأة وبناء المجتمع. منذ عقود، قادت سموها حملاتٍ نوعيةً لتعزيز دور المرأة الإماراتية في جميع المجالات، بدءاً من إطلاق استراتيجيات التعليم الشامل، ومروراً بدعم مشاركتها في سوق العمل ومراكز صنع القرار، ووصولاً إلى ترسيخ مكانتها كشريك فاعل في مسيرة التنمية. ولا تقتصر جهودها على الحدود المحلية؛ فقد أسهمت عبر منصات دولية مثل "منظمة المرأة العربية" و"اتحاد المرأة الدولي" في دعم قضايا المرأة في مناطق النزاعات والأزمات.
هذه الرؤية الإنسانية هي ما جعلت زيارة سموها إلى تركيا حدثاً يستقطب اهتماماً إعلامياً وسياسياً، خصوصاً في ظل الظروف الإقليمية الحالية التي تتطلّب تعزيز الحوار بين الثقافات.
أجندة الزيارة: من السياسة إلى العمل المجتمعي
شملت أجندة الزيارة الرسمية سلسلةً من الفعاليات واللقاءات التي ركّزت على ثلاثة محاور رئيسية:
تعزيز التعاون في مجال تمكين المرأة:
التقت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك عدداً من المسؤولات التركيات البارزات، منهنّ السيدة الأولى أمينة أردوان، وناقشت معهنّ سبل دعم البرامج المشتركة لتعليم الفتيات وتدريبهنّ على المهارات القيادية. كما أُقيمت جلسة حوارية بعنوان "المرأة ركيزة التغيير"، شاركت فيها ناشطات إماراتيات وتركيات لتسليط الضوء على نماذج نجاح من البلدين.
التعليم والتبادل الثقافي:
في جامعة إسطنبول، ألقت سموها كلمةً أمام طالبات الجامعة، أكدت فيها على أهمية التعليم كأداة لتحقيق التماسك الاجتماعي، مُشيرةً إلى تجربة الإمارات في دمج التكنولوجيا في المنظومة التعليمية. كما شهدت الزيارة توقيع مذكرة تفاهم بين "مؤسسة التنمية الأسرية" الإماراتية و"جمعية الأسرة التركية" لتبادل الخبرات في مجال دعم الأسر المُهجرة والنازحة.
الشراكات الإنسانية:
ضمن جهود الإمارات في تقديم المساعدات الإغاثية، زارت سمو الشيخة فاطمة مركز "أمل الإمارات" في إسطنبول، الذي يُقدّم الدعم الطبي والتعليمي للأطفال السوريين اللاجئين. وأعلنت خلال الزيارة عن تبرعٍ سخيٍّ لتوسعة أنشطة المركز، بالتعاون مع منظمات تركية محلية.
قراءة في الرسائل الخفية: لماذا تركيا الآن؟
رغم الطابع الاجتماعي للزيارة، إلا أن المحللين يرون فيها رسائل دبلوماسية عميقة، خاصة في ظل التحوّلات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط. فتركيا، بموقعها الإستراتيجي بين آسيا وأوروبا، تُعتبر شريكاً محورياً في قضايا مثل مكافحة الإرهاب وإدارة أزمات اللجوء، وهي ملفات تتصدر أولويات السياسة الخارجية للإمارات.
من ناحية أخرى، تُظهر الزيارة حرص الإمارات على توطيد علاقاتها مع الدول ذات الثقل الثقافي الإسلامي، في إطار سعيها لتعزيز صورة الاعتدال والانفتاح. وهذا يتوافق مع رؤية الشيخة فاطمة بنت مبارك، التي تؤمن بأن تمكين المرأة في المجتمعات المسلمة هو مفتاح مواجهة التطرّف.
التغطية الإعلامية: تفاعل تركي مع نموذج إماراتي
حظيت الزيارة بتغطية واسعة في الإعلام التركي، حيث سلّطت وسائل مثل "الأناضول" و"حرييت" الضوء على الإنجازات الإماراتية في مجال حقوق المرأة، مقارنةً بإحصاءات محلية تُظهر أن نسبة مشاركة المرأة التركية في سوق العمل لا تتجاوز 34%. وأشارت تعليقات القراء إلى إعجابهم بالنموذج الإماراتي الذي يجمع بين الهوية العربية والانفتاح على الحداثة.
كما أشادت منظمات المجتمع المدني التركية بالشراكة مع مؤسسات إماراتية، معربةً عن أملها في نقل تجربة "مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين" إلى تركيا، لتعزيز حضور المرأة في المناصب السياسية.
التحديات والانتقادات: وجهات نظر مختلفة
رغم الإشادة الواسعة، لم تخلُ الزيارة من انتقادات من بعض الأوساط السياسية التركية التي ترى في التقارب مع الإمارات محاولةً لتجاوز الخلافات السابقة حول دعم تركيا لجماعات إسلامية في المنطقة. لكنّ المراقبين يُرجّحون أن كلا البلدين يسعيان لصفحة جديدة، انطلاقاً من المصالح المشتركة في جذب الاستثمارات وتنويع التحالفات.
من جانبها، تجنّبت الشيخة فاطمة بنت مبارك الخوض في الجدل السياسي، مؤكدةً في تصريح صحفي أن "دور المرأة هو بناء الجسور، لا تعميق الخنادق".
الخاتمة: زيارة تُعيد تعريف دور القيادات النسائية في الدبلوماسية
لا شك أن زيارة الشيخة فاطمة بنت مبارك إلى إسطنبول ستترك أثراً طويل الأمد في العلاقات الثنائية، ليس فقط عبر الاتفاقيات الموقَّعة، بل عبر إرساء ثقافة الحوار التي تتبنّاها سموها. ففي عصر تتصاعد فيه النزعات الانعزالية، تُقدّم هذه الزيارة نموذجاً لدبلوماسيةٍ إنسانيةٍ تضع المجتمع في صلب أولوياتها، مُثبتةً أن القيادات النسائية قادرة على صنع فرقٍ يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية.
كما تُذكِّر الزيارة بأن تمكين المرأة ليس شعاراً أجوف، بل استثماراً في مستقبل الأمم، وهو الدرس الذي اختارت الإمارات أن تعلِّمه للعالم من خلال رمزٍ كالشيخة فاطمة بنت مبارك.