رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يستقبل وزير الخارجية التركي

رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يستقبل وزير الخارجية التركي: تقارب سياسي جديد في بيئة إقليمية متغيرة
استقبل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في العاصمة أبوظبي، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في زيارة رسمية تعكس توجهًا استراتيجيًا متناميًا نحو تعميق العلاقات بين أبوظبي وأنقرة. هذا اللقاء ليس فقط جزءًا من الروتين الدبلوماسي، بل يحمل دلالات سياسية واقتصادية مهمة على مستوى الشرق الأوسط، ويعبر عن مرحلة جديدة من التقارب الإماراتي التركي، بعد سنوات من التوتر والاختلاف في الملفات الإقليمية.
خلفية العلاقة بين البلدين
شهدت العلاقات بين الإمارات وتركيا تحولات كبيرة خلال العقد الماضي. ففي أعقاب الربيع العربي، تباينت مواقف البلدين حول قضايا مثل دعم الحركات الإسلامية، التدخلات الإقليمية، والتحالفات الدولية، ما أدى إلى برود ملحوظ في العلاقات السياسية، قابله تصاعد في الخطاب الإعلامي الحاد بين الطرفين.
لكن، منذ عام 2021، بدأت ملامح إعادة التوازن تظهر بوضوح، مع زيارات متبادلة رفيعة المستوى، شملت لقاءات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقيادة دولة الإمارات. وصول هاكان فيدان، أحد أبرز العقول الأمنية والدبلوماسية في تركيا، إلى وزارة الخارجية، مثّل خطوة إضافية نحو ترسيخ هذا التوجه التصالحي، وتحويله إلى شراكة استراتيجية مدروسة.
أهداف الزيارة ومحاور النقاش
زيارة وزير الخارجية التركي إلى الإمارات جاءت في سياق إقليمي حساس، حيث تشهد المنطقة توترات جيوسياسية في أكثر من ملف، من الأزمة في غزة، إلى التطورات في سوريا والعراق، وصولاً إلى صراعات النفوذ في البحر الأحمر وشرق المتوسط.
ومن المتوقع أن تشمل المباحثات بين رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وهاكان فيدان المحاور التالية:
تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري: حيث تسعى تركيا إلى استقطاب استثمارات خليجية لدعم اقتصادها الذي يعاني من ضغوط تضخمية، بينما ترى الإمارات في السوق التركية فرصًا واعدة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، السياحة، والتكنولوجيا.
التنسيق الأمني والسياسي: خاصة في ملفات حساسة مثل ليبيا، سوريا، والعراق، حيث أصبح من الضروري بناء تفاهمات مشتركة تقلل من التوتر وتمنع التصعيد.
القضية الفلسطينية: والتي تشكل نقطة التقاء مهمة بين البلدين، حيث أبديا دعمًا مشتركًا للحقوق الفلسطينية، وسط موجة تصعيد غير مسبوقة في غزة والضفة الغربية.
التكنولوجيا والدفاع: إذ بدأت تظهر بوادر تعاون في الصناعات الدفاعية، مع اهتمام إماراتي بالتكنولوجيا العسكرية التركية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة.
لماذا هذا التقارب مهم؟
إن اللقاء بين رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ووزير الخارجية التركي لا يمكن قراءته خارج إطار التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة. فالتقارب بين أنقرة وأبوظبي يعكس ما يمكن وصفه بـ"البراغماتية الجديدة"، حيث تتجه دول المنطقة إلى تخفيف حدة الاستقطابات، والبحث عن أرضية مشتركة تحقق المصالح الوطنية بعيدًا عن الشعارات الإيديولوجية أو الصراعات الصفرية.
ويُمكن تحديد أهمية هذا التقارب في النقاط التالية:
تعزيز الاستقرار الإقليمي: التعاون بين قوتين إقليميتين بحجم الإمارات وتركيا يساهم في تخفيف الاستقطابات في مناطق الڼزاع، خاصة إذا تم تنسيق السياسات بدلًا من التصادم.
دعم الاقتصاد التركي: في ظل حاجة تركيا إلى استثمارات أجنبية مباشرة، يأتي الدعم الخليجي – وخاصة الإماراتي – ليمنح الاقتصاد التركي دفعة قوية في قطاعات حيوية.
الاستفادة من الدور التركي في إفريقيا وآسيا الوسطى: وهو ما يمكن أن يخدم طموحات الإمارات التوسعية في تلك المناطق، عبر شراكات ذكية تجمع بين المال والخبرة الجيوسياسية.
التحديات التي تواجه الشراكة
رغم الأجواء الإيجابية، لا تزال هناك تحديات موضوعية قد تؤثر على مسار هذه العلاقة:
الاختلاف في السياسات الخارجية: فلكل من تركيا والإمارات أولويات وتحالفات مختلفة، وقد تظهر تباينات في ملفات حساسة مثل إيران، سوريا، أو علاقات تركيا مع بعض الحركات الإسلامية.
الحذر الاستراتيجي المتبادل: فمرحلة التوتر الطويلة التي مرت بها العلاقات لا تزال تلقي بظلالها، وقد تؤثر على سرعة بناء الثقة الكاملة.
الضغوط الداخلية في تركيا: إذ تعاني الحكومة التركية من أزمات اقتصادية داخلية قد تؤثر على استمرارية التعاون، أو تفرض تغييرات في السياسات.
قراءة ختامية: الإمارات وتركيا نحو شراكة عقلانية
استقبال رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لـ وزير الخارجية التركي هو رسالة واضحة بأن البلدين قررا المضي قدمًا في بناء شراكة عقلانية تقوم على المصالح المتبادلة، وليس على المواقف المتشنجة أو النزاعات المؤدلجة. هذا التقارب ينسجم مع التوجه الإماراتي العام نحو تنويع الشراكات الإقليمية، والانفتاح على القوى المؤثرة في الشرق الأوسط وخارجه.
كما أنه يُظهر تحولًا في السياسة التركية، التي باتت أكثر ميلاً للتهدئة وتصفير المشكلات، بعد سنوات من التوسع الجيوسياسي الحاد.
في المحصلة، إذا نجح هذا المسار، فمن المرجح أن نشهد في السنوات القادمة المزيد من المشاريع المشتركة، والاستثمارات العابرة، والتنسيق في المحافل الدولية، مما يعزز من دور البلدين في صياغة معادلات جديدة للسلام والتنمية في الشرق الأوسط.