عبدالله بن زايد يدعو إلى ضبط النفس بين الهند و باكستان

عبدالله بن زايد يدعو إلى ضبط النفس بين الهند وباكستان: قراءة في الموقف الإماراتي وأبعاده الإقليمية
في ظل تجدد التوترات بين الهند وباكستان، دعا وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى "ضبط النفس وتغليب الحوار" بين البلدين الجارين، في خطوة تعكس استمرار الإمارات في لعب دور الوسيط الإقليمي الساعي إلى الاستقرار. هذه الدعوة ليست مجرد تصريح دبلوماسي عابر، بل تمثل تحركًا محسوبًا يعكس قراءة استراتيجية للتوازنات الجيوسياسية في جنوب آسيا، والدور الذي تسعى الإمارات لتثبيته لنفسها على الساحة الدولية.
جذور التوتر بين الهند وباكستان
يُعد الڼزاع بين الهند وباكستان من أقدم الصراعات في العالم الحديث، وهو يرتكز بالأساس على إقليم كشمير المتنازع عليه. منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، خاض البلدان ثلاث حروب كبرى، وكادت التوترات العسكرية تصل إلى حافة صراع نووي في أكثر من مناسبة، أبرزها في عام 2019 بعد حاډثة بولواما التي راح ضحيتها جنود هنود وأدت إلى تصعيد غير مسبوق.
السياق الحالي للدعوة
جاءت دعوة عبدالله بن زايد في وقت يشهد فيه الإقليم مؤشرات جديدة للتصعيد، سواء عبر المناوشات الحدودية أو عبر الخطاب السياسي المتشدد من الجانبين. ووسط هذه الأجواء المتوترة، تظهر الإمارات كطرف فاعل يحاول أن يحافظ على مسافة متوازنة بين الطرفين، دون انحياز واضح، مع التأكيد على أهمية الحوار والتسوية السياسية.
هذه الدعوة تعكس سياسة خارجية إماراتية تتسم بالواقعية والبراغماتية، حيث لا تكتفي الدولة الخليجية بدور المتفرج، بل تسعى إلى تقديم نفسها كـ "جسر تواصل" بين الخصوم، خصوصًا في مناطق تشهد فراغًا دبلوماسيًا نسبيًا أو تصاعدًا في النزعات القومية.
البُعد الاستراتيجي للموقف الإماراتي
يمكن قراءة تحرك عبدالله بن زايد من عدة زوايا:
العلاقات الثنائية مع الهند: تربط الإمارات بـ الهند علاقات استراتيجية قوية، تشمل تعاونًا اقتصاديًا وتجاريًا متناميًا، إذ تُعد الهند من أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، كما أن الجالية الهندية تمثل النسبة الأكبر من المقيمين في الدولة. الحفاظ على هذه العلاقات يتطلب موقفًا متوازنًا من أي توتر ېهدد الاستقرار في جنوب آسيا.
التقارب الحذر مع باكستان: على الرغم من أن العلاقات بين الإمارات وباكستان شهدت فترات من الفتور بسبب تباين في بعض الملفات، إلا أن أبوظبي تدرك أهمية باكستان كدولة محورية في العالم الإسلامي، وتحرص على إبقاء خطوط التواصل معها مفتوحة، لا سيما في قضايا مثل الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف.
الرغبة في لعب دور وساطة دولية: تسعى الإمارات منذ عدة سنوات إلى تعزيز حضورها كوسيط إقليمي قادر على تقريب وجهات النظر، كما فعلت في ملفات مثل إثيوبيا وإريتريا، أو السودان وجنوب السودان. لذلك فإن الانخراط في التوتر بين الهند وباكستان يندرج ضمن هذا التوجه.
الموقف الدولي من التصعيد بين الهند وباكستان
المجتمع الدولي ينظر إلى التوتر بين الهند وباكستان بقلق دائم، نظرًا لامتلاك البلدين السلاح النووي، ولوجود تاريخ طويل من عدم الثقة. غير أن القوى الكبرى عادة ما تتبنى موقفًا تحفظيًا، إذ تتجنب التدخل المباشر خشية تعقيد المشهد، وهو ما يفسح المجال أمام دول مثل الإمارات لتقديم نفسها كجهة محايدة تسعى إلى التهدئة.
في هذا الإطار، تأتي دعوة عبدالله بن زايد كخطوة دبلوماسية تتناغم مع التوجهات الدولية، لكنها تحمل أيضًا طابعًا خاصًا نابعًا من تجربة الإمارات في التوازن بين المصالح والعلاقات، دون الدخول في صراعات لا طائل منها.
هل يمكن أن تلعب الإمارات دورًا فعليًا في التهدئة؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على عدة عوامل:
مدى استعداد الهند وباكستان لقبول وساطة طرف ثالث: تاريخيًا، تُظهر الهند تحفظًا تجاه الوساطات الدولية في قضية كشمير، باعتبارها شأناً داخليًا، بينما تميل باكستان إلى تدويل القضية. لذا فإن نجاح أي دور إماراتي يعتمد على الإطار الذي تُطرح فيه المبادرة.
الدعم الدولي لهذه الوساطة: دعم قوى كبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين لأي تحرك إماراتي من شأنه أن يمنحه زخماً، خاصة إذا تم ضمن إطار تنسيق أوسع للحفاظ على أمن جنوب آسيا.
قدرة الإمارات على تقديم ضمانات أو حوافز: ربما يكون للإمارات دور مهم في توفير قنوات اتصال خلفية، أو تقديم مبادرات اقتصادية تساعد في تقليل التوتر، وهو ما يتطلب دبلوماسية هادئة لكنها فعالة.
الإمارات كفاعل عقلاني في منطقة مضطربة
إن دعوة عبدالله بن زايد لضبط النفس بين الهند وباكستان ليست مجرد تصريح بروتوكولي، بل تمثل امتدادًا لنهج إماراتي يسعى إلى تهدئة التوترات أينما وُجدت، عبر أدوات ناعمة تعتمد على الحوار والشراكة لا على الإملاءات. هذا النوع من الدبلوماسية "الهادئة" قد لا يُحدث تأثيرًا لحظيًا مباشرًا، لكنه يؤسس لحضور طويل المدى لدولة تُعيد صياغة دورها في النظام الإقليمي والدولي.
ومع استمرار التحديات في جنوب آسيا، من المتوقع أن تلعب الإمارات دورًا أكبر في المستقبل، خاصة إذا استطاعت أن تحافظ على علاقاتها القوية مع الطرفين، وتُبقي على صورتها كطرف موثوق يمكن اللجوء إليه وقت الأزمات.