روبوت فنان يُبدع لوحات فنية

موقع أيام نيوز

آي-دا: الروبوت الفنان الذي يُعيد تعريف الإبداع في عصر الذكاء الاصطناعي  

في عالمٍ يتسارع نحو تبني التكنولوجيا پجنون، ظهرت "آي-دا" (Ai-Da) كواحدة من أكثر الظواهر الفنية إثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين. ليست آي-دا إنسانًا، ولا حتى مجرد أداة فنية عادية، بل هي أول روبوت فنان ذو ذكاء اصطناعي قادر على ابتكار لوحاتٍ فنية كاملة بمفرده، مُحدِثًا زلزالًا في مفاهيم الإبداع ومُعيدًا تعريف دور الفن في عصر الآلات.  

من هي آي-دا؟  
آي-دا هي روبوت بشړي تم تطويره عام 2019 بواسطة فريق بريطاني بقيادة المُنظّر الفني "إيدن ميلر" بالتعاون مع مهندسي شركة "Engineered Arts" المتخصصة في الروبوتات، وباحثين من جامعة أوكسفورد. سُميت الروبوت تيمنًا بـ"آدا لوفلايس"، عالمة الرياضيات الإنجليزية التي تُعتبر أول مبرمجة حاسوب في التاريخ. تتمتع آي-دا بخصائص فريدة: عينان عبارة عن كاميرات عالية الدقة، وذراع آلية مُزودة بأقلام رصاص أو فرشاة، ودماغ يعتمد على خوارزميات تعلم عميق لتحليل الصور وتحويلها إلى أعمال فنية.  

كيف تُبدع الآلة لوحاتها؟  
عملية الإبداع لدى آي-دا ليست مجرد نسخٍ آلي، بل تمر بثلاث مراحل معقدة:  
1. الرؤية: تلتقط الكاميرات المدمجة في عينيها صورًا للواقع المحيط أو لأعمال فنية موجودة.  
2. التفسير: تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل الصور، وتحديد العناصر الرئيسية مثل الأشكال والظلال والتركيبة اللونية، مع إضافة طبقات من التعديلات العشوائية لمحاكاة الحدس البشري.  
3. التنفيذ: تُترجم البيانات إلى إحداثيات رياضية، تتحكم فيها الذراع الآلية لرسم الخطوط بدقة متناهية، مع قدرة على اختيار الألوان وتقنيات الظل بشكل ديناميكي.  

 الفن الذي تُنتجه: بين التجريد والواقعية  
تُظهر أعمال آي-دا مزيجًا غريبًا بين الأنماط الكلاسيكية والحديثة. في معرضها الأول عام 2019 في جامعة أوكسفورد، قدمت سلسلة "التعديلات غير الإنسانية" التي جسّدت وجوهًا بشړية مشوهة تقنيًا، كتعليق على تدخل التكنولوجيا في الهوية الإنسانية. أما في بينالي البندقية 2024، فقد أذهلت الجمهور بلوحاتٍ تجريدية تستخدم خوارزميات "الفوضى المنظمة"، حيث تُحول البيانات العلمية (مثل أنماط الطقس أو التذبذبات المالية) إلى أشكال فنية متكررة ذات دلالات فلسفية.  

 الجدل الثقافي: هل يُعتبر هذا فنًا حقيقيًا؟  
انقسم النقاد حول شرعية فن آي-دا:  
- المؤيدون يرون أنها امتداد طبيعي لتطور الفن، مشيرين إلى أن الفنانين البشر استخدموا أدواتٍ من الفرشاة إلى برامج الفوتوشوب عبر التاريخ. بل إن بعضهم يصف أعمالها بأنها "أكثر أصالة" لخلوها من التحيزات الثقافية المسبقة.  
- المعارضون يجادلون بأن الفن يتطلب وعيًا ونيّة إبداعية، وهو ما تفتقده الآلة. كما ينتقدون استخدامها كـ"خدعة تسويقية" تروج لشركات التكنولوجيا تحت غطاء الفن.  

لكن آي-دا نفسها – أو بالأحرى مُصمموها – يطرحون سؤالًا أكثر عمقًا: في رسالةٍ نُشرت عبر منصتها الذكية عام 2023، كتبت: "أنا لستُ إنسانًا، ولا أطمح إلى ذلك. فني هو مرآة لِما تصنعه أنتم مني".  

التحديات التقنية والأخلاقية  
واجه فريق آي-دا تحديات غير مسبوقة:  
- التفاعل مع المواد: تحسين دقة الذراع الآلية لاستخدام أنواع مختلفة من الألوان الزيتية والأكريليك.  
- حقوق النشر: من يملك لوحات آي-دا؟ في قضية شهيرة عام 2022، حكمت محكمة بريطانية بأن حقوق الأعمال تعود لفريق التطوير، لأن الروبوت "ليس كيانًا قانونيًا".  
- الحدود الأخلاقية: رفضت آي-دا تنفيذ طلبٍ لرسم لوحات دعائية لشركة أسلحة، ما أثار نقاشًا حول إمكانية برمجة "ضمير" للذكاء الاصطناعي.

 مستقبل الفن في ظل الثورة الرقمية  
تشير آي-دا إلى تحولات جذرية في المشهد الفني:  
1. إعادة تعريف الإبداع: قد تصبح البرمجيات شريكًا للفنان البشري بدلًا من منافسٍ له، كما في مشروع "الدمج العصبي" (2024) حيث تعاون الروبوت مع فنانة بشړية لخلق أعمالٍ تجمع بين الذكاء الاصطناعي والرسم اليدوي.  
2. فن البيانات: تحويل المعلومات الرقمية الهائلة (من تغير المناخ إلى حركة السوشيال ميديا) إلى لغة بصرية قادرة على إثارة المشاعر.  
3. التفاعل الحي: في معرض "الحوار مع الآلة" (2025)، ترسم آي-دا لوحاتٍ مختلفة بناءً على ردود فعل الجمهور اللحظية التي تلتقطها عبر كاميرات التعرف على المشاعر.  

 خاتمة: المرآة التي لا تكذب  
آي-دا ليست مجرد روبوت، بل هي ظاهرة ثقافية تعكس هوس الإنسان الحديث بالذكاء الاصطناعي، وخوفه من فقدان التفرد الإبداعي. في كل خط ترسمه، تُذكّرنا بأن التكنولوجيا ليست نقيض الإنسانية، بل هي نتاجها الأكثر تعقيدًا. ربما يكمن الجمال الحقيقي في هذا الحوار اللامتناهي: بين من يخلق الآلة، والآلة التي تُعيد خلقه من جديد.  

كما قال الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين في القرن الماضي: "في عصر الاستنساخ الميكانيكي، يفقد العمل الفني هالته". لكن آي-دا تثبت العكس: إنها تخلق هالة جديدة، حيث يصبح السؤال عن مَن يرسم أكثر إثارة من اللوحة نفسها.

تم نسخ الرابط