رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يؤكد التزامه بتعزيز أمن الطاقة العالمي خلال لقائه وزير الطاقة الأمريكي

في خطوة تؤكد ريادة الإمارات في قطاع الطاقة العالمي
اجتمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مع وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم في أبوظبي، بهدف تعزيز التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، ومواجهة التحديات المشتركة مثل تغيّر المناخ وتقلبات الأسواق. جاء هذا اللقاء ليؤكد الدور المحوري الذي تلعبه الإمارات كجسر يربط بين مصادر الطاقة التقليدية والمستقبلية، في وقت يشهد فيه العالم تحولات جذرية تتطلب إعادة تعريف أولويات الطاقة والأمن المناخي.
الهيدروجين الأخضر: السلاح الاستراتيجي للإمارات في الثورة النظيفة
تسعى الإمارات لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الهيدروجين الأخضر، مستهدفة تصدير 25% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2030. وأكد سمو الرئيس خلال اللقاء أن تحقيق هذا الهدف يعتمد على التعاون مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية. وتُعد شركة "مصدر" من أبرز رواد هذا القطاع، حيث تنفذ مشاريع هيدروجين أخضر في دول مثل مصر والمغرب، بدعم استثماري يتجاوز 20 مليار دولار.
وأشارت جرانهولم إلى أن الولايات المتحدة ترى في الإمارات شريكًا استراتيجيًا ضمن "مبادرة الهيدروجين النظيف" الأمريكية، التي تستهدف خفض تكلفة الإنتاج إلى 1 دولار للكيلوغرام بحلول عام 2030.
بين النفط والطاقة النووية: معادلة التوازن الاستراتيجي في الإمارات
رغم كونها رابع أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، لا تزال الإمارات تعتمد على قطاع النفط والغاز لتأمين نحو 30% من ناتجها المحلي. ومع ذلك، تسير بالتوازي في مسار التحول نحو الطاقة النظيفة من خلال استثمارات ضخمة في الطاقة النووية السلمية.
فمشروع محطة براكة، الأول من نوعه في العالم العربي، يوفّر نحو 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء، مع خطط لرفع هذه النسبة إلى 50% بحلول 2025 مع اكتمال تشغيل المحطات الأربع.
في المقابل، يعزز مشروع الظهران إنتاج النفط ليصل إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول 2027، بما يعكس استراتيجية متوازنة تجمع بين تعزيز الإيرادات النفطية وتمويل مشاريع التحول الأخضر.
قمة COP28: منبر عالمي لإعادة رسم خارطة الطاقة والمناخ
تستعد الإمارات لاستضافة قمة المناخ COP28 في نوفمبر 2023، لتكون منصة عالمية تبرز فيها جهود الدولة في التوفيق بين أمن الطاقة ومكافحة تغيّر المناخ. وتأتي هذه الاستضافة بعد إعلان مبادرة "الحياد المناخي 2050"، التي تهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات صفري، مع الحفاظ على مكانة الدولة كمركز عالمي للطاقة.
وأكد سمو الشيخ محمد بن زايد خلال اللقاء:
"COP28 لن تكون مجرد مؤتمر، بل فرصة لتحويل الالتزامات إلى حلول ملموسة، مثل زيادة تمويل مشاريع التكيف المناخي في الدول النامية".
الذكاء الاصطناعي: وقود الإمارات الخفي في إدارة الطاقة
تتبنى الإمارات استراتيجية طموحة لدمج الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الطاقة، حيث أطلقت مؤخرًا منصة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة استهلاك الكهرباء والمياه في أبوظبي، مما أسهم في خفض الانبعاثات بنسبة 22% خلال عامين.
كما تعتمد على خوارزميات ذكية لرفع كفاءة محطات الطاقة الشمسية، مثل مجمع الظفرة، أكبر مجمع طاقة شمسية في العالم بقدرة 2 جيجاوات.
وأشارت جرانهولم إلى أن التعاون مع الإمارات سيشمل تبادل الخبرات التقنية، خاصة في مجالات الشبكات الذكية وتخزين الطاقة.
الشراكات الدولية: بوابة الإمارات إلى ريادة الطاقة المتجددة
تبني الإمارات سياستها في قطاع الطاقة المتجددة على أساس الشراكات الدولية. فعبر برنامج PACE المشترك مع الولايات المتحدة، تهدف إلى استثمار 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم.
كما وقّعت اتفاقيات مع دول أفريقية مثل كينيا وأوغندا لإنشاء محطات طاقة شمسية بقدرة إجمالية تصل إلى 5 جيجاوات. وفي آسيا، تتعاون الإمارات مع الهند لتطوير "ممر الطاقة الخضراء"، الذي يهدف إلى نقل الكهرباء من مصادر متجددة عبر الحدود.
تجسد هذه المبادرات رؤية الإمارات لتصدير نموذج فريد يجمع بين الاستثمارات التقليدية والمستدامة.
من الانتقادات إلى الحلول: الإمارات ترد على مواقف المنظمات البيئية
رغم الانتقادات التي تواجهها الإمارات من بعض المنظمات البيئية بسبب استثماراتها النفطية المستمرة، إلا أن الدولة تتبع نهجًا متوازنًا يجمع بين النمو الاقتصادي والالتزام البيئي.
فعلى سبيل المثال، يهدف مشروع التقاط الكربون في حقل "الرويس" إلى احتجاز 5 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول 2030. كما تعمل مبادرة "الحياد المناخي الإماراتي" على إعادة تدوير الانبعاثات الكربونية في صناعات مثل الأسمنت والزراعة.
وعن هذه الانتقادات، قال سمو الرئيس:
"نؤمن بأن الحل لا يكمن في إيقاف تطوير قطاع الطاقة، بل في ابتكار طرق أكثر ذكاءً لإدارته".
دور الإمارات في أوبك+: استقرار الأسواق من قلب الخليج
تلعب الإمارات دورًا أساسيًا في تحالف أوبك+، حيث تمثل صوتًا معتدلًا يدعو إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية. وفي ظل أزمات مثل الحړب في أوكرانيا، ساهمت الإمارات في تعويض النقص بالإمدادات عبر زيادة صادراتها النفطية إلى أوروبا والولايات المتحدة، التي وصلت إلى 300 ألف برميل يوميًا في عام 2023.
وأشادت جرانهولم بدور الإمارات في "تخفيف تقلبات الأسعار العالمية"، مؤكدة أن الشراكة الثنائية ستنعكس إيجابًا على الأمن الاقتصادي للطرفين.
الخاتمة: رؤية الإمارات 2050... المستقبل يبدأ الآن
بحلول عام 2050، تسعى الإمارات إلى تحقيق تحول جذري في قطاع الطاقة، من خلال مزيج متوازن يشمل الهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية، والمتجددة، مع الحفاظ على دورها الريادي في سوق النفط.
وتؤكد استراتيجيتها أن مستقبل أمن الطاقة لا يُبنى على المصادر وحدها، بل على الابتكار والتعاون الدولي. وكما قال سمو الشيخ محمد بن زايد في ختام اللقاء:
"نحن نصنع مستقبلًا تكون فيه الطاقة نظيفة، والاقتصاد مستدام، والتعاون الدولي هو أساس النجاح".