ارتفاع أسعار هواتف آيفون إلى 3500 دولار في حال تم تصنيعها في الولايات المتحدة

موقع أيام نيوز

هل يدفع المستهلك ثمن الاستقلال الصناعي؟

سيناريو تصنيع آيفون في أمريكا يرفع السعر إلى 3500 دولار

بينما يشتدّ النقاش داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية حول فكرة "العودة إلى التصنيع المحلي"، تبرز شركة Apple في قلب هذا الجدل، بوصفها واحدة من أبرز رموز العولمة وسلاسل الإنتاج العابرة للقارات. فما الذي سيحدث إذا قررت Apple نقل تصنيع أجهزة iPhone بالكامل إلى الولايات المتحدة؟ حسب تقديرات متخصصة، فإن تكلفة الجهاز قد تصل إلى 3500 دولار، أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف سعره الحالي.

قد يبدو الرقم صادمًا، لكن خلفه واقع اقتصادي معقّد يسلط الضوء على التكاليف الحقيقية للابتعاد عن الصين، وماذا يعني ذلك للمستهلكين وللسوق التقنية العالمية.

من الصين إلى أمريكا: دوافع التصنيع المحلي

الرغبة في التصنيع المحلي ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخمًا أكبر خلال الأعوام الأخيرة، مدفوعة بعدة عوامل، من بينها التوترات التجارية المتكررة بين واشنطن وبكين، إلى جانب الدروس المستفادة من تعطل سلاسل الإمداد إبان جائحة كورونا.

وتطمح الحكومة الأمريكية إلى تقليل الاعتماد على الخارج في الصناعات الحساسة، وعلى رأسها صناعة الرقائق والإلكترونيات. بالنسبة لـ Apple، فإن التصنيع داخل الولايات المتحدة قد يتيح لها مزيدًا من التحكم في جودة الإنتاج، ومرونة في الإدارة اللوجستية، إلى جانب استجابة أسرع للمتغيرات الجيوسياسية. غير أن المسألة ليست بهذه البساطة.

التكاليف الخفية: لماذا يرتفع السعر بهذا الشكل؟

أولاً: تكلفة اليد العاملة

الفرق في تكلفة العمالة بين الصين وأمريكا هائل. ففي حين يبلغ متوسط أجر العامل في المصانع الصينية نحو 3.60 دولارات في الساعة، يقفز الرقم في الولايات المتحدة إلى ما بين 25 و30 دولارًا. وهذا لا يشمل الامتيازات الاجتماعية أو الرعاية الصحية.

نظرًا لاعتماد Apple على مئات آلاف العمال في مصانع التجميع، فإن نقل هذا العدد إلى بيئة عمل أكثر تكلفة يعني مضاعفة بند الأجور عشرات المرات.

ثانيًا: غياب البنية الصناعية المتكاملة

الصين لا توفّر فقط أيدٍ عاملة رخيصة، بل تحتضن شبكة متكاملة من المصانع والمورّدين والخدمات اللوجستية التي تعمل بتناسق نادر، ما يسمح لشركات مثل Apple بإنتاج ملايين الأجهزة في وقت قياسي وبكفاءة عالية.

أما في الولايات المتحدة، فإن هذه البنية ليست جاهزة بنفس المستوى، ما يعني تكاليف أعلى وعمليات إنتاج أبطأ وأكثر تعقيدًا.

ثالثًا: المواد الخام والرسوم

حتى لو تم التصنيع داخل أمريكا، فإن العديد من المكونات الأساسية، كالشاشات والرقائق الدقيقة، تُنتَج في الخارج. استيراد هذه المكونات سيُخضع Apple لرسوم جمركية أعلى، وتكاليف نقل إضافية، ما يزيد العبء على السعر النهائي للمنتج.

آيفون 3500 دولار: تحليل واقعي

تشير تحليلات شركات متخصصة مثل TechInsights إلى أن تصنيع هاتف iPhone 15 Pro Max حاليًا يكلف Apple حوالي 500 إلى 550 دولارًا، بينما يُباع الجهاز بسعر يبدأ من 1199 دولارًا.

في حال تصنيع الهاتف بالكامل داخل الولايات المتحدة، فإن تكاليف الإنتاج قد تتجاوز 1500 إلى 2000 دولار، ومع إضافة نفقات التسويق والتوزيع والضرائب وهوامش الربح، قد يصل سعر البيع إلى 3500 دولار أو أكثر. هذه القفزة في السعر ستكون صاډمة حتى للمستهلك الأمريكي الذي يعتاد دفع مبالغ مرتفعة مقابل الأجهزة عالية المواصفات.

التأثيرات المتوقعة: من يربح ومن يخسر؟

في عالم تسوده المنافسة، يمثل السعر عنصرًا حاسمًا. رفع سعر iPhone إلى هذا الحدّ قد يُضعف من جاذبيته لدى قطاع واسع من المستخدمين، ويدفع كثيرين للبحث عن بدائل أقل تكلفة من شركات مثل Samsung أو Xiaomi.

ومن النتائج المحتملة أيضًا:

تراجع حجم المبيعات عالميًا، خصوصًا في الأسواق الناشئة.

تنامي السوق الثانوية من الأجهزة المستعملة أو المرمّمة.

نمو أكبر للمنافسين الذين يحتفظون بسلاسل إنتاج مرنة ومنخفضة التكلفة.

هل ثمة حلول وسط؟

ليست Apple مضطرة إلى نقل التصنيع بالكامل إلى أمريكا، بل يمكن اعتماد مقاربات هجينة أكثر مرونة، منها:

تصنيع المكونات الحساسة، كالمعالجات، في الولايات المتحدة لتعزيز الأمن السيبراني.

تنويع سلسلة الإمداد بالاعتماد على دول بديلة مثل الهند أو فيتنام.

الاستثمار في الأتمتة الصناعية لتقليل التكاليف التشغيلية على المدى البعيد.

الخلاصة: الاستقلالية بثمن مرتفع

قد يبدو تصنيع iPhone داخل الولايات المتحدة خطوة وطنية نبيلة، لكنها من الناحية الاقتصادية لا تزال بعيدة عن الواقعية التجارية. فالسوق العالمي، بطبيعته، يقوم على تعقيد سلاسل الإمداد وتوزيع الموارد بما يحقق الكفاءة.

ومع أن فكرة إنتاج آيفون أمريكي 100% قد تحفز الصناعة المحلية وتخلق وظائف، فإن ارتفاع التكلفة بشكل كبير سيجعل هذه الهواتف حكرًا على فئة محدودة، ما يتناقض مع توجه Apple التاريخي إلى الجمع بين الجودة والانتشار الواسع.

في نهاية المطاف، تظل القرارات المتعلقة بمكان التصنيع انعكاسًا لتوازنات دقيقة بين الاقتصاد والسياسة، وبين الربحية والهوية الوطنية. وسعر 3500 دولار لهاتف ذكي، مهما بلغت جودته، قد يكون بمثابة "الفاتورة" التي لا يرغب المستهلك بدفعها.

تم نسخ الرابط