تناول الأطعمة فائقة المعالجة يزيد بشكل كبير من خطړ الۏفاة المبكرة

موقع أيام نيوز

تناول الأطعمة فائقة المعالجة يزيد بشكل كبير من خطړ الۏفاة المبكرة: تحذير علمي يتجاوز التغذية

في السنوات الأخيرة، لم تعد قضية التغذية الصحية مجرد اختيار فردي بين الأطعمة الطبيعية والمصنعة، بل أصبحت مسألة بقاء وصحة عامة. تشير دراسات علمية متزايدة إلى أن تناول الأطعمة فائقة المعالجة لا يؤدي فقط إلى زيادة الوزن أو الإصابة بالأمراض المزمنة، بل يرتبط بشكل وثيق و"كبير" بزيادة خطړ الۏفاة المبكرة. هذا الارتباط لم يعد مجرد فرضية، بل أصبح مدعومًا بأدلة وبحوث واسعة تشمل آلاف المشاركين من مختلف دول العالم.

ما المقصود بـالأطعمة فائقة المعالجة؟

قبل الغوص في المخاطر، لا بد من توضيح المفهوم. الأطعمة فائقة المعالجة هي منتجات غذائية خضعت لتعديلات صناعية كثيفة، تحتوي عادةً على مكونات صناعية غير موجودة في مطبخ المنزل، مثل النكهات الاصطناعية، المحليات الصناعية، المواد الحافظة، المستحلبات، الملونات، والنكهات المعززة. تشمل هذه الأطعمة:

رقائق البطاطا المقلية والمقرمشات

المشروبات الغازية والمحلاة

الحساء الجاهز والمعكرونة سريعة التحضير

النقانق والسجق المصنع

وجبات الميكروويف المجمّدة

الحلوى المعبأة والكعك الصناعي

رغم أن هذه المنتجات قد تُسوق على أنها "ملائمة" و"لذيذة"، فإن آثارها الصحية تتجاوز بكثير ما هو ظاهر على العبوة.

الأبحاث: العلاقة بين الاستهلاك والۏفاة المبكرة

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة BMJ الطبية، أن الأشخاص الذين يستهلكون نسبة عالية من الأطعمة فائقة المعالجة يواجهون خطرًا أكبر بالۏفاة المبكرة، مقارنة بمن يتبعون نظامًا غذائيًا أكثر طبيعية وتوازنًا. الدراسة، التي تابعت أكثر من 45,000 شخصًا على مدى عقدٍ من الزمن، وجدت أن كل زيادة بنسبة 10% في استهلاك هذه الأطعمة ترتبط بزيادة قدرها 14-15% في خطړ الۏفاة المبكرة.

المقلق في هذا السياق أن هذه النتائج ظلت ثابتة حتى بعد تعديل البيانات بناءً على عوامل مثل الټدخين، النشاط البدني، ومؤشر كتلة الجسم. بعبارة أوضح: حتى لو كان الشخص نحيفًا ونشيطًا، فإن استهلاكه المرتفع لهذه الأطعمة يزيد خطړ ۏفاته المبكرة.

كيف تؤثر هذه الأطعمة على الجسم؟

هناك عدة آليات تجعل من الأطعمة فائقة المعالجة مصدر خطړ فعلي:

السكريات المضافة: تحتوي معظم هذه الأطعمة على كميات مفرطة من السكريات التي ترفع مستويات الجلوكوز في الډم بشكل مفاجئ، ما يرهق البنكرياس ويزيد خطړ الإصابة بـداء السكري من النوع الثاني.

الدهون المتحولة والمشبعة: هذه الدهون تُساهم في رفع الكوليسترول السيئ في الډم، وزيادة خطړ أمراض القلب وتصلب الشرايين.

الملح الزائد: يؤدي إلى ارتفاع ضغط الډم وزيادة العبء على الكليتين والقلب.

المضافات الكيميائية: مثل النيتريت في اللحوم المصنعة، تم ربطها بخطړ الإصابة بالسړطان، وخاصة سړطان القولون.

نقص الألياف والمغذيات: بالمقابل، تفتقر هذه الأطعمة إلى العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم، مثل الألياف، والفيتامينات، والمعادن، ما يضعف الجهاز المناعي ويُسرّع عملية التدهور الجسدي.

الجوانب النفسية والسلوكية

بعيدًا عن الجوانب البيوكيميائية، فإن الأطعمة فائقة المعالجة تُحدث أيضًا تغييرات في سلوك الإنسان. فهي مصممة لتحفيز مراكز المكافأة في الدماغ من خلال النكهات المكثفة والملمس المغري، ما يؤدي إلى الإفراط في تناولها. هذه الأطعمة لا تُشبع، بل تُشجّع على الأكل الزائد، مما يؤدي إلى الإدمان الغذائي لدى البعض.

أضف إلى ذلك أن الاعتماد المستمر على هذه المنتجات يعيد تشكيل نمط الحياة، ويُضعف العلاقة الصحية بالطعام، حيث تتحول الوجبات من كونها فرصة للتغذية والراحة إلى مجرد استهلاك سريع دون وعي أو توازن.

لماذا يتزايد استهلاك هذه الأطعمة رغم التحذيرات؟

الراحة وسهولة التحضير: في عالم سريع الإيقاع، تبدو هذه المنتجات حلاً مثاليًا للأشخاص المشغولين.

الإعلانات الموجهة: تلعب صناعة الأغذية دورًا بارزًا في تسويق هذه المنتجات، مستخدمة مؤثرين، شعارات صحية مضللة، وتصاميم تغري حتى الفئات الواعية.

الأسعار الرخيصة: غالبًا ما تكون الأطعمة فائقة المعالجة أرخص من الطعام الطازج، ما يجعلها الخيار الأول للفئات ذات الدخل المنخفض.

السياسات العامة الغائبة: في كثير من الدول، لا توجد قوانين صارمة تجبر الشركات على كشف مكونات منتجاتها بوضوح، أو تمنع بيع هذه المنتجات في المدارس والمرافق العامة.

ماذا يعني "الۏفاة المبكرة" فعليًا؟

مصطلح "الۏفاة المبكرة" لا يشير بالضرورة إلى الۏفاة في سن الشباب، بل يُستخدم طبيًا للإشارة إلى الۏفاة قبل متوسط العمر المتوقع، والذي يختلف حسب الدولة والچنس. هذا يعني أن استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة يمكن أن يُقصّر حياة الإنسان بعدة سنوات، سواء بسبب مرض مزمن قاټل، أو بسبب تدهور صحته العامة بشكل يُعجّل بحدوث الۏفاة.

من الأكثر عرضة للخطړ؟

الأطفال والمراهقون: حيث يُكوّنون عادات غذائية تدوم لعقود لاحقة.

كبار السن: بسبب ضعف جهاز المناعة وتأثرهم السريع بسوء التغذية.

النساء الحوامل: لأن التغذية الرديئة تؤثر على تطور الجنين ونموه.

المرضى المزمنون: خاصة من يعانون من ارتفاع ضغط الډم أو السكري.

ما الحل؟ وهل يمكن التغيير؟

التحذير لا يعني أنه يجب الامتناع الكامل عن هذه الأطعمة، بل يتعلق بالحد منها بشكل كبير واعٍ. الخطوات الممكنة تشمل:

إعداد الطعام في المنزل: وهو خيار يوفر سيطرة أفضل على المكونات.

قراءة الملصقات الغذائية: وتجنب المنتجات التي تحتوي على مكونات يصعب نطقها أو غير معروفة.

اختيار الأطعمة غير المصنعة: مثل الفواكه، الخضراوات، الحبوب الكاملة، اللحوم الطازجة.

التثقيف الغذائي: إدخال مفاهيم التغذية الصحية في المدارس والمناهج التعليمية.

ضغط جماهيري على الحكومات: من أجل فرض قوانين تلزم الشركات بالشفافية وتحمي المستهلك.

 دعوة للتأمل وإعادة النظر

في عالمٍ تتوفر فيه الخيارات بسهولة، فإن تناول الأطعمة فائقة المعالجة أصبح نمط حياة، وليس مجرد قرار لحظي. لكن هذا النمط، رغم راحته، يحمل في طياته كلفة باهظة تُدفع من سنوات العمر وجودته. إن ما نأكله لا يحدد فقط وزننا أو مستوى نشاطنا، بل يُعيد تشكيل أعضائنا، جهازنا المناعي، وعمرنا ذاته.

ليس المطلوب الانقطاع الكامل، بل الوعي والاعتدال. لأن الغذاء، كما يقول الأطباء، هو أول دواء... أو أول طريق إلى المړض.

تم نسخ الرابط