لماذا ېهدد ذوبان الجليد بتحرير فيروسات قديمة خطېرة؟

موقع أيام نيوز

صندوق باندورا المتجمد: كيف ېهدد ذوبان الجليد بإطلاق العنان لفيروسات قديمة تنذر بكوارث صحية جديدة؟
في قلب المناطق القطبية الشاسعة، وتحت طبقات الجليد الأبدية، يرقد عالم ميكروبي قديم، محفوظًا في سبات عميق لعشرات الآلاف، بل وربما لملايين السنين. هذا العالم الخفي، الذي يتكون من بكتيريا وفيروسات عتيقة، يمثل الآن تهديدًا متزايدًا للبشرية مع تسارع وتيرة ذوبان الجليد الناتج عن تغير المناخ. فما الذي يجعل هذه الكائنات الدقيقة القديمة خطېرة؟ وكيف يمكن أن يؤدي إطلاقها إلى كوارث صحية جديدة؟
لطالما كان الجليد بمثابة "كبسولة زمنية" طبيعية، تحافظ على الكائنات الحية الدقيقة في حالة تجمد تام، مما يوقف عملياتها البيولوجية ويحفظها من التحلل. وقد اكتشف العلماء بالفعل عينات من فيروسات وبكتيريا قديمة في عينات من الجليد الدائم، بعضها يعود تاريخه إلى مئات الآلاف من السنين. هذه الكائنات الدقيقة، التي تطورت في عصور جيولوجية مختلفة، ربما لم تصادفها الأنظمة المناعية الحديثة من قبل، مما يجعلها تشكل خطرًا محتملًا على صحة الإنسان والحيوان والنبات.
الخطړ الحقيقي لا يكمن فقط في وجود هذه الكائنات الدقيقة القديمة، بل في إمكانية إطلاقها بكميات كبيرة مع استمرار ذوبان الجليد. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يشهد العالم ذوبانًا غير مسبوق في الغطاء الجليدي القطبي والأنهار الجليدية، مما يؤدي إلى تدفق كميات هائلة من المياه الذائبة التي تحمل في طياتها هذه الكائنات الدقيقة المحفوظة.
تخيلوا سيناريو يتم فيه إطلاق فيروس قديم، ظل حبيس الجليد لعشرات الآلاف من السنين، إلى البيئة الحديثة. هذا الفيروس ربما يكون قد أصاب أنواعًا من الحيوانات أو حتى البشر الذين عاشوا في تلك العصور الغابرة. ومع انقراض تلك الأنواع، ظل الفيروس كامنًا في الجليد. ولكن مع ذوبان الجليد، يمكن لهذا الفيروس أن يجد طريقه إلى البيئة الحديثة، وربما يصيب أنواعًا جديدة من الكائنات الحية التي لم تطور مناعة ضده.
أحد المخاۏف الرئيسية هو إمكانية ظهور فيروسات قديمة ذات قدرة عالية على إحداث الأمراض والانتشار السريع، والتي لم يعد لدى البشرية أي ذاكرة مناعية ضدها. فجهازنا المناعي تطور لمواجهة الفيروسات والبكتيريا التي واجهناها على مر العصور الحديثة. أما الكائنات الدقيقة القديمة، فهي تمثل "مجهولًا" يمكن أن يتسبب في موجات وبائية جديدة وغير متوقعة.
بالإضافة إلى الفيروسات، يحمل الجليد أيضًا بكتيريا قديمة. بعض هذه البكتيريا قد تكون مقاومة للمضادات الحيوية الحديثة، مما يجعل علاج العدوى الناجمة عنها أمرًا صعبًا للغاية. وقد شهدنا بالفعل ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية في العصر الحديث، وإطلاق بكتيريا قديمة مقاومة يمكن أن يزيد من تفاقم هذه المشكلة العالمية.
لا يقتصر الټهديد على المناطق القطبية وحدها. فذوبان الأنهار الجليدية في مناطق أخرى من العالم، مثل جبال الهيمالايا والأنديز، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى إطلاق كائنات دقيقة قديمة كانت محاصرة في الجليد لآلاف السنين، مما يشكل خطرًا على المجتمعات المحلية والبيئة المحيطة.
إن الټهديد الذي يمثله إطلاق الفيروسات والبكتيريا القديمة من الجليد الذائب ليس مجرد احتمال نظري. فقد اكتشف العلماء بالفعل فيروسات قديمة لا تزال قادرة على إصابة الأميبا بعد آلاف السنين من التجمد. وهذا يثبت أن هذه الكائنات الدقيقة يمكن أن تظل قابلة للحياة لفترات زمنية طويلة جدًا.
لمواجهة هذا الټهديد المتزايد، يحتاج المجتمع العلمي إلى تكثيف جهوده في دراسة الكائنات الدقيقة المحفوظة في الجليد. يتضمن ذلك أخذ عينات من الجليد القديم وتحليل الحمض النووي للكائنات الحية الدقيقة الموجودة فيها، وتقييم قدرتها على إحداث الأمراض، وفهم آليات بقائها على قيد الحياة لفترات طويلة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تطوير استراتيجيات مراقبة وإنذار مبكر للكشف عن أي ظهور مفاجئ لهذه الكائنات الدقيقة في البيئة الحديثة. يجب أن تكون الأنظمة الصحية العالمية مستعدة للتعامل مع أي تفش محتمل لأمراض ناجمة عن فيروسات أو بكتيريا قديمة لم نرها من قبل.
في نهاية المطاف، فإن الټهديد الذي يمثله ذوبان الجليد بتحرير فيروسات قديمة هو تذكير صارخ بالعواقب غير المتوقعة لتغير المناخ. إنه بمثابة "صندوق باندورا المتجمد" الذي بدأ ينفتح، ويطلق العنان لقوى ميكروبية كامنة يمكن أن تشكل تحديًا كبيرًا لصحة الإنسان والبيئة. إن فهم هذا الخطړ واتخاذ خطوات استباقية لمواجهته أمر بالغ الأهمية لحماية مستقبلنا من كوارث صحية جديدة محتملة.
 

تم نسخ الرابط