تأثير التغير المناخي على الأمن الغذائي: ماذا يمكننا أن نفعل؟

في ظل تزايد الأدلّة العلمية على أن التغير المناخي يهدّد أمننا الغذائي، يتعرّض إنتاج الغذاء وتوزيعه وسلامته لضغوط متعاظمة جراء ازدياد تكرار الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة. يتجلّى هذا التأثير على مستويات متفاوتة: انخفاض محصول الحبوب في المناطق الاستوائية بنسبة تصل إلى 10–25% لكل درجة مئوية زيادة في المتوسط الحراري العالمي، وارتباك أسواق السلع الغذائية التي قد تشهد ارتفاعًا في الأسعار يصل إلى 30–40% بحلول منتصف القرن، بالإضافة إلى تراجع جودة الغذاء وزيادة هدره بفعل تلفه قبل الوصول إلى المستهلكين. لمواجهة هذه التحديات، تتضافر استراتيجيات التكيف عبر الزراعة المناخية الذكية (Climate-Smart Agriculture) وإدارة الموارد المائية وتقنيات التنوع الوراثي، مع إجراءات التخفيف المتمثلة في خفض انبعاثات غازات الدفيئة من القطاع الزراعي، بجانب إصلاحات سياسية ودعم مالي مخصص للمزارعين الصغار، وتغيير أنماط استهلاكنا نحو نظم غذائية أكثر استدامة.
تأثيرات التغير المناخي على الأمن الغذائي
1. توافر المحاصيل وإنتاجية الأرض
أشار تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن كل زيادة مقدارها 1 °C في المتوسط الحراري العالمي تقلّص إنتاج الحبوب في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بنسبة تتراوح بين 10 و25% في حال عدم اتخاذ تدابير تكيفية فعّالة .
يُضاف إلى ذلك أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) حذّرت من أن الأنظمة الزراعية المعتمدة على الأمطار قد تفقد ما يصل إلى 50% من إنتاجها في بعض المناطق نتيجة تفشّي الجفاف المتكرر .
2. تقلب الأسعار وإمكانية الوصول
بحسب برنامج الأغذية العالمي (WFP)، من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 30–40% بحلول عام 2050 جراء الضغوط المناخية على كل من الإنتاج والنقل ومعالجة الأغذية .
يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع قدرة الأسر ذات الدخل المنخفض على تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية، خاصة في المناطق الريفية والحضرية الهشة، ما يزيد معدلات انعدام الأمن الغذائي لديهم .
3. جودة الغذاء وسلامته
تشير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تزيد من انتشار الآفات والأمراض النباتية والحيوانية، مما يضعف من جودة المنتجات الغذائية ويعزّز مخاطر الټسمم والأمراض المنقولة بالغذاء .
4. استقرار الإمدادات الغذائية
تؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أن الفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية المتكررة تعرّض شبكات النقل والتخزين لأضرار مباشرة، ما يؤدي إلى هدر كميات كبيرة من الغذاء قبل وصوله إلى الأسواق .
استراتيجيات التكيف والتخفيف
1. الزراعة المناخية الذكية (Climate-Smart Agriculture)
أصناف مقاومة للجفاف والملوحة: تعتمد FAO على تطوير أصناف نباتية مهجنة وراثيًا لتحمّل ظروف الضغط المائي والملحي، مما يعزز ثبات المحصول في البيئات القاسېة .
الزراعة الدقيقة: توظيف الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار يسمح بتحديد احتياجات التربة والمياه بالضبط، ما يقلل من الهدر ويرفع كفاءة استخدام الموارد .
2. إدارة الموارد المائية
أنظمة ريّ فعّالة: استبدال الري بالغمر بأنظمة الري بالتنقيط يساهم في تقليل استهلاك المياه بنسبة تتجاوز 40% في بعض الدول العربية، وفق بيانات مركز المعلومات الزراعية الدولي .
حصاد مياه الأمطار وحمايتها: تعزيز التشجير حول خزانات المياه وتقنيات جمع المياه الموسمية يضمن مخزونًا مائيًا مستدامًا للري والزراعة .
3. التنوع الوراثي والزراعة المختلطة
تُظهِر التجارب الميدانية في نيجيريا والهند فعالية الزراعة التبادلية (Agroforestry) وزراعة المحاصيل المخلوطة في تعزيز المرونة ضد الأمراض والفشل المفاجئ للمحاصيل .
4. أنظمة الإنذار المبكر وتحليل البيانات
شبكات المراقبة المناخية: تربط بين محطات الأرصاد وأقمار الاستشعار لرصد الظواهر المناخية والآفات، وتنبيه المزارعين مبكرًا لتعديل جداول الزرع والحصاد .
البيانات الضخمة (Big Data): دمج بيانات الإنتاج مع تحليل المناخ يمكنه التنبؤ بنقاط الضعف في الأمن الغذائي وتمكين الاستجابات الحكومية والدولية السريعة .
دور السياسات والدعم المالي
1. تمويل المزارعين الصغار
أوضحت قمة COP29 أنّه مطلوب ضخّ 75 مليار دولار سنويًا لدعم المزارعين الصغار في مواجهة تأثيرات التغير المناخي، عبر قروض ميسرة وتأمينات المحاصيل وبرامج الحماية الاجتماعية .
يتمثل الابتكار المالي في استخدام السندات الخضراء وتمويل المناخ الخاص لجذب رؤوس الأموال من القطاع الخاص بضمانات حكومية ودولية .
2. إصلاحات زراعية
حوافز للزراعة المستدامة: تشجيع استخدام الأسمدة العضوية وتقنيات تدوير المخلفات الزراعية عبر منح وإعفاءات ضريبية .
تأمين حقوق الملكية الأرضية: منح الملكية أو عقود إيجار طويلة الأمد للمزارعين يمكنهم من الاستثمار طويل المدى في تحسين الأراضي والبنية التحتية .
تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج
1. الحدّ من الفاقد والهدر
يفقد العالم نحو ثلث الطعام المنتج سنويًا بسبب سوء التخزين والنقل؛ وحسب IPCC، فإن تحسين التعبئة والتبريد وسلاسل التوريد قد يخفض الهدر بنسبة 20–30% .
2. التوجه نحو أنظمة غذائية مستدامة
التنوّع الغذائي: التحوّل من أطعمة عالية البصمة الكربونية (كاللحوم الحمراء) إلى الحبوب الكاملة والبقوليات والفواكه والخضروات المحلية يقلل إجمالي انبعاثات الغذاء .
التعزيز المحلي: دعم الأسواق المحلية والمنتجين الصغار يقلل اعتماد الدول على الواردات الغذائية ويقوّي الأمن الغذائي القائم على المجتمع .