زراعة الأسطح تنتشر في المدن الكبرى لمواجهة التلوث

موقع أيام نيوز

في السنوات الأخيرة، باتت زراعة الأسطح حلاً مبتكرًا يساهم بفعالية في مكافحة التلوث في المدن الكبرى، وذلك من خلال قدرتها على امتصاص الملوثات الجويّة وتخفيض جزيئات الغبار، ومكافحة ارتفاع درجات الحرارة الحضرية، مع إنتاج غذاء محلي وتحفيز التنوع البيولوجي الحضري​ كما تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن نسبة سكان المدن ستصل إلى 68٪ بحلول عام 2050، ما يزيد من الضغط على أنظمة الغذاء وضرورة اعتماد حلول زراعية مبتكرة داخل البيئات الحضرية​ سنستعرض في هذا المقال دوافع انتشار زراعة الأسطح، وفوائدها البيئية والصحية، وأهم الأمثلة العالمية، والتحديات التي تواجهها، مع تقديم مقترحات لتوسيع تطبيقها.

تُعرّف زراعة الأسطح على أنها تحويل الأسطح المسطحة للمباني إلى مساحات خضراء يُزرع فيها المحاصيل والخضروات باستخدام وسائل مختلفة، منها التربة التقليدية أو الزراعة المائية (Hydroponics)​ يترافق ذلك مع تراجع رقعة المساحات الخضراء بفعل التوسع العمراني وكثرة المنشآت، مما أدى إلى تفاقم مشكلة تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة في مراكز المدن​

دوافع انتشارها في المدن الكبرى

1. ندرة المساحات الخضراء

مع ارتفاع الكثافة السكانية في المدن الكبرى، تقل المساحات المتاحة للحدائق والمنتزهات؛ مما جعل الأسطح خيارًا مثاليًا لاستعادة الغطاء النباتي دون الحاجة لمساحات أفقية إضافية​

2. تفاقم التلوث الهوائي

تشير دراسات إلى أن النباتات على الأسطح تعمل كمرشحات طبيعية، تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂) وجسيمات الغبار الدقيقة (PM2.5) وتطلق الأكسجين، مما يحسّن جودة الهواء ويسهم في صحة السكان​

3. مواجهة ظاهرة ارتفاع الحرارة الحضرية

تقلل الأسطح الخضراء من ظاهرة “جزيرة الحرارة الحضرية” عبر امتصاص حرارة الشمس وتبخيرها، ما يخفض درجات حرارة المباني المحيطة ويقلل من استهلاك التكييف​

الفوائد البيئية والصحية

تحسين جودة الهواء

يُظهر تحليل لمشروعات الأسطح الخضراء أن كل متر مربع منها قادر على إزالة ما يقارب 100 غرام من الملوثات الغازية سنويًا، بما فيها الأوزون وأكاسيد النيتروجين​

خفض درجات الحرارة

أظهرت بيانات من مشروعات في نيويورك أن الأسطح الخضراء قادرة على تخفيض درجات الحرارة المحيطة بما يصل إلى 1.4°F (نحو 0.8°C)، مما يساهم في تخفيف الاحتباس الحراري المحلي​

إدارة مياه الأمطار

تمكنت مزارع الأسطح المكثفة من تقليل جريان مياه الأمطار إلى شبكة الصرف بنسبة 50٪، ما يخفف من مخاطر الفيضانات الحضرية ويقلل الضغط على محطات معالجة المياه​

تعزيز التنوع الحيوي

أنشأت مدينة بازل سويسرا شبكة من الأسطح الخضراء التي وفرت موائل طبيعية لأكثر من 40 نوعًا من الحشرات والطيور المحلية، مما عزز من التنوع البيولوجي الحضري

الإنتاج الغذائي والأمن الغذائي

توفر مزارع الأسطح إنتاجًا مستدامًا من الخضروات الورقية والأعشاب العضوية، حيث تنتج مزرعة بريكلينغ ريمليف في الحي الصناعي بنيويورك نحو 15,000 رطل من الخس و10,000 رطل من الطماطم سنويًا​ هذا الإنتاج المحلي يقلص الاعتماد على سلاسل التوزيع الطويلة ويخفض الانبعاثات الناجمة عن النقل، مع تحسين توفر الغذاء الطازج في الأحياء الحضرية​

أمثلة وتجارب دولية

مدينة بازل، سويسرا: فرضت الحكومة التشريعات على الأسطح المنحدرة لتصبح خضراء، ما أدى إلى تغطية 10٪ من مساحات الأسطح بنباتات محلية وتعزيز موائل الحياة البرية​

بروكلين جرانج، نيويورك: تُعدّ من أكبر شركات زراعة الأسطح في العالم، مع أكثر من 100,000 قدم مربع مزروعة تنتج محاصيل عضوية وتُجري أبحاثًا تعليمية ومجتمعية 

الشارقة، الإمارات العربية المتحدة: شهدت انتشارًا مبكرًا لمزارع الأسطح في مشاريع التطوير العقاري، حيث نجحت في خفض درجات الحرارة وامتصاص الانبعاثات الضارة​

التحديات والحلول

التحديات

تكلفة الإنشاء والصيانة: تحتاج الأسطح الخضراء إلى بنية تحتية تحمل وزن التربة والنبات، ما يزيد التكاليف الأولية​

التصاريح واللوائح: تختلف اللوائح البلدية بين مدينة وأخرى، ما يعرقل تبنّي المشروعات في بعض المناطق​

نقص الخبرة الفنية: قلة المتخصصين في تصميم وتنفيذ مزارع الأسطح الحضرية تحد من انتشارها.

المقترحات

حوافز مالية وتشجيعية: تقديم منح وقروض ميسرة لأصحاب المباني لتحويل الأسطح إلى مساحات زراعية.

تبسيط الإجراءات القانونية: وضع أطر تنظيمية واضحة تسهل إصدار التصاريح وتحدد المواصفات الفنية المطلوبة.

التدريب وبناء القدرات: إنشاء برامج تدريبية بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية لنقل المعرفة والخبرات.

تمثل زراعة الأسطح خطوة استراتيجية نحو مدن أكثر صحة وازدهارًا، من خلال فوائد بيئية تتمثل في تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة وإدارة مياه الأمطار، وفوائد اجتماعية واقتصادية عبر تعزيز الأمن الغذائي وخلق فرص عمل وتعليمية. ومع تضافر الجهود الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، يمكن تعميم هذه التجربة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من التصاميم الحضرية المستدامة في المستقبل.

تم نسخ الرابط